أحمد بهاء الدين شعبان
وقع الفأس فى الرأس.. فماذا نفعل؟
ها قد حان وقت مواجهة الحقيقة.. الحقيقة المُرّة التى كانت بادية للعيان، ولكننا أصررنا على تجاهلها، ودفنا رأسنا فى الرمال، حتى لا تصدمنا قسوتها المفرطة، وهى التى تقول، وببساطة، إن «سد النهضة» لم يعد مشروعًا، وإنما صار فعلًا، وإن مخاطره لم تعد احتمالًا، وإنما أصبحت واقعًا كابوسيًا، وإننا أمام لحظة فارقة، فيما يخص إدارة ملف نهر النيل، شريان حياة مصر، لحظة أخطر بكثير مما يظن أكثرنا قلقًا، وأعظمنا تطيُّرًا، عَبَّرَ عنها وزير الموارد المائية والرى، الدكتور محمد عبدالعاطى بإعلانه أن «العجز فى الموارد المائية بمصر يمثل ٩٠٪، ويتم تعويضه من خلال إعادة تدوير المياه بنسبة ٢٥٪ من الاستخدام الحالى، واستيراد سلع تستهلك كميات كبيرة من المياه»، «جريدة الوطن، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٧».
فمضمون حديث وزير الرى، أن أزمة المياه الراهنة فى مصر، حتى قبل أن تعانى من تداعيات «سد النهضة»، والتى هى أزمة مستحكمة بالفعل، وتمثل ٩٠٪ من الحاجات الأساسية للبلاد، لا يتم استعواض سوى ٢٥٪ منها فقط، وهو ما يُشير إلى وجود فجوة مائية حالية مقدارها ٦٥٪ من مطالبنا الضرورية!.
ويعنى اقتطاع قسم آخر من موارد مصر الشحيحة من المياه، بفعل الإصرار الإثيوبى على تجاهل الاحتياجات الوجودية المصرية، مضاعفة التأثيرات الخطيرة لنقص المياه على الواقع المصرى، ففضلًا عن الآثار البيئية المتعددة، هناك تكاليف مادية باهظة لمواجهة بعض نتائجها، منها ما أشار إليه الوزير ممثلًا فيما يُنفق على معالجة جانب منها بالتدوير، ولاستيراد الضرورات الغذائية من المواد كثيفة الاستهلاك للمياه، ومنها احتياج مخصصات مالية من أجل تنفيذ «الخطة القومية للموارد المائية»، فى العشرين عامًا القادمة، لا تقل عن ٥٠ مليار دولار، هذا غير ما قد يُستجد من تحديات فى المستقبل. والحق أن هذا الوضع بالغ الدقة، يحتاج أولًا إلى مراجعة ومحاسبة صارمة لكل الإجراءات الرسمية، والسياسية والقانونية والدبلوماسية المتخذة، واتخاذ اللازم لتصحيحها، على كل المستويات!.. لكنه أيضًا يحتاج إلى وقفة حازمة مع النفس، بهدف مراجعة سلوكنا، كدولة ومواطنين، تجاه هذه الأزمة المستفحلة، وموقفنا منها.
فهل يُعقل فى ظل ما تقدّم، أن تظل ممارساتنا فى استخدام وتبديد القدر المحدود من المياه الذى نملكه، بهذا الإسراف؟!. فلننظر مثلًا إلى طرق الزراعة التى يزرع بها الفلاح المصرى الأرض، والمستمرة منذ آلاف السنين، وما تستهلكه من مياه!.
ولننظر إلى المئات من المنتجعات والمشروعات السكنية والسياحية المُترفة، التى تتفنن فى إهدار المياه بواسطة البحيرات الصناعية وحمامات السباحة والنوافير الضخمة، وبرعونة وغياب للإحساس بالمسئولية؟!.. ثم انظر إلى الملايين من صنابير المياه فى المدارس والمصالح الحكومية والمساجد والبيوت، التى لا تكف عن إهدار المياه لانعدام الصيانة، وانظر إلى تلويث ما تبقى من مياه للشرب والزراعة، وهو أقل القليل، بمخلفات المصانع والصرف الصحى!.
انظر إلى كل ذلك لكى تعرف حجم الجريمة، التى يتشارك فيها الجميع: حكومة وشعبًا، وسلوكهما المتراخى فى التفاعل مع هذه القضية المصيرية، وهو ما يحتاج إلى حوار مجتمعى مفتوح وصريح، حتى يُدرك الجميع أبعاد الأزمة وحدود مسئوليته الفردية والجماعية، وواجباته العملية الملزمة!.. مطلوب تفعيل الجهد الشعبى والسياسى، لتقليل الفاقد من النذر اليسير من المياه، الذى نملكه إلى حد الـ«صفر»، وتعظيم الاستفادة منه إلى أقصى درجة، وهو أمر لن يتحقق إلا بدور واضح وكبير للجماهير، وللأوساط والهيئات الشعبية، فى الأحزاب والإعلام ومدارس ومعاهد التعليم والهيئات الدينية والمجتمع المدنى، فضلًا عن مؤسسات الدولة.. لقد «وقع الفاس فى الراس»، كما يقولون، فماذا نحن فاعلون؟!.