الدستور
ماجد حبته
ما تبطّل تمشي بحنيّه!
أنا كنت «مسافر في الصحرا.. ومشواري طويل» وتراجعت حين قرأت تحذيرًا من احتمال وقوع عدد كبير من الزلازل العنيفة المدمرة، خلال سنة ٢٠١٨، وقيل إن السبب هو تباين سرعة دوران الأرض!.



نشأنا وترعرعنا على أن الزلازل تحدث بسبب اهتزاز في القشرة الأرضية نتيجة التحرر السريع للطاقة المتجمعة في الصخور. ونشأ آخرون (دون أن يترعرعوا) على أنها، مثل كل المصائب والكوارث، تحدث بسبب الذنوب والمعاصي. غير أن هناك سببًا آخر طرحته ورقة بحثية قدّمها «روجر بيلهام» من جامعة كولورادو و«ريبيكا بنديك» من جامعة مونتانا، خلال الاجتماع السنوي للجمعية الجيولوجية الأمريكية.



الورقة البحثية، ذكرت أنه طوال الـ١٥٠ سنة الماضية لوحظ أن الفترات التي شهدت تباطؤًا في سرعة دوران الأرض كان يعقبها ارتفاع في السرعة ونشاط زلزالي عنيف». وبما أن دوران الأرض بدأ يتباطأ بالفعل منذ ٤ سنوات، استنتجت «الورقة البحثية» أن تشهد سنة ٢٠١٨ نشاطًًا زلزاليًا عنيفًا، وأن العدد الأكبر والأقوى من الزلازل سيكون من نصيب منطقة خط الاستواء، التي يعيش فيها قرابة مليار شخص.



الثابت هو أن الاختلافات، التباينات، أو التقلبات في سرعة دوران الأرض، إن حدثت، فإنها قد لا تتعدى مللي ثانية، أي جزء من ألف من الثانية، في اليوم. لكن الأستاذ «بيلهام» قال لجريدة الـ«أوبزرفر» البريطانية إن هذا الـ«مللي ثانية» يمكنه توليد طاقة هائلة تحت سطح الأرض. وهو كلام لا يدخل العقل ولا يصمد أمام نظرية الارتداد المرن (Elastic Rebound) التي طرحت تفسيرًا أكثر منطقية، يمكن تلخيصه في أن صخور القشرة الأرضية تتعرض إلى ضغوط وتشوهات على مدار السنين، ينتج عنها قوى هائلة تتزايد بمرور السنين، وحين تزيد هذه القوى عن قدرة تحمل الصخور، يحدث كسر أو شرخ، كي تنطلق الطاقة المحبوسة، ثم تحاول الصخور الرجوع إلى وضعها الطبيعي بموجات ارتدادية، هي التي تتسبب في الزلازل.



نظرية الارتداد المرن، واحدة من النظريات التي نشأنا وترعرعنا عليها، بينما نشأ آخرون (دون أن يترعرعوا) على أن الزلازل تحدث بسبب الذنوب والمعاصي، استنادًا إلى قول ابن القيم، وابن قيّم الجوزية: «ومن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها». كما أن «ابن أبي شيبة» روى أيضًا أن الأرض تزلزلت في عهد عمر بن الخطاب فقال: «أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا». وإياك أن تعتقد أن «ابن أبي شيبة» هو الذي غنّى «آه لو لعبت يا زهر»!.



دانيال سبيك له كتاب عنوانه «مشكلة الشر»، حاول عبر صفحاته أن يفض الاشتباك القائم بين ما هو غيبي إيماني محض، وبين ما هو عقلي فلسفي مجرد. في محاولة للوصول إلى حل توافقي يبيّن كيف يمكن أن يجتمع الخير والعدل مع الشر في نسق واحد، تتوافق معطياته ومآلاته مع بعضها البعض. و«مشكلة الشر» التي يقصدها الكتاب، هي تلك التحديات الفلسفية للمعتقدات الإيمانية، التي تشكّلت من التوتر الواضح بين الالتزام الإيماني التقليدي، والإدراك الواعي لحالات المعاناة التي تبدو أحيانًا غير مبررة.



الكتاب ترجمته «بنتنا» سارة السباعي، وصدر عن «المركز القومي للترجمة»، وإن أردت أن تقرأه، ستجده في المجلس الأعلى للثقافة، بدار الأوبرا. وما جعلنا نتوقف عنده هو تناوله لزلزال ضرب لشبونة سنة ١٧٥٥ الذي كان من أكثر الزلازل فتكًا وتدميرًا في التاريخ، وأول زلزال تتم دراسة آثاره علميًا، ويمكنك أن تقول إنه كان استفتاح أو بداية ظهور علم الزلازل الحديث. وبالمناسبة، فإن الجيولوجيين قدّروا قوة ذلك الزلزال بـ ٩ درجات على مقياس ريختر، وليس ٨ درجات، كما جاء في الكتاب!.



زلزال لشبونة، كما ذكر «سبيك»، أعطى «فولتير» مطرقة غائرة (الترجمة الأدق مرزبة)، للتنكيل بمشروع جوتفريد فيلهلم لابينتز الذي صاغ مصطلح «الثيوديسيا» وجعله عنوان كتاب كان عنوانه الفرعي «حول خيرية الله وحرية الإنسان وأصل الشر». و«الثيوديسيا» أو علم تبرير العدالة الإلهية، فرع محدد من الثيولوجيا والفلسفة يهتم بحل مشكلة الشر، ويقوم على أننا يجب أن نفترض مسبقًا وجود الإله والشر في الوجود، وأن حذف أحد طرفي هذه المعادلة يؤدي إلى انقضاء المشكلة وعدم صلاحية طرحها كسؤال!.



لو لم تفهم شيئًا، مش مهم، أما المهم هنا، فهو أن «فولتير»، الكاتب والفيلسوف الفرنسي المعروف، استند إلى زلزال لشبونة، في روايته الساخرة «كانديد» وقصيدته «حول كارثة لشبونة»، للهجوم على فكرة «لايبنتز» أو مشروعه، إذ إن «الزلزال ضرب مدينة مسيحية كاثوليكية عميقة الإيمان، في يوم عيد القديسين، ولم يُلحق أضرارًا كبيرة بالحي الفاجر في المدينة، بينما دمّر معظم كنائسها، وهو ما أدى إلى حرمان المدافعين عن الحجة التي ذهبت إلى أن الزلزال هو نتيجة لحكم الله على خطيئة المدينة من أن تكون لحجتهم أي قوة حقيقية».



النظريات العلمية تقوم على افتراضات، والتفسيرات الدينية قائمة على غيبيات. وكما لا يمكننا التأكد من صحة الأولى، لا يمكننا أيضًا التشكيك في صحة الثانية تجنبًا لـ«هيجان» محامين مجانين ينتشرون هذه الأيام. أما ما يصعب التشكيك فيه، فهو أن الزلازل تحدث كنتيجة طبيعية لمشي بعض الفاتنات بـ«حنية»، كما كتب حسين السيد وغنّى محمد رشدي، بدليل أنك سترى الأرض بـ«تتمرجح تحت الخلخال». وعليه، وعملًا بالأحوط، يقتضي الواجب، أقل واجب، أن تعمل اللي عليك وتطالب فاتنتك بأن «تبطّل تمشي بحنية»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف