شكرى القاضى
التاريخ الذي أحمله علي ظهري
* بداية أعترف اني تصديت لمهمة عسيرة عندما اخترت لنفسي طريق حراس الحقيقة. فالحقيقة نبع من ينابيع الحق ومن الحق تنبعث كل القيم النبيلة فإذا كان "الحق" أحد أسماء الله الحسني فدعونا نتساءل عن مصير أولئك الفجرة الذين يتنكرون للحق وإن كان صاحب الحق قوياً فإن أتباع الشيطان أقوي فنحن نعيش في عالم ردئ يتفاخر فيه المنافق بما حقق من إنجازات ويتباهي فيه اللص بمسروقاته ويستعرض فيه العاهر عضلاته فماذا يملك الكاتب سوي قلمه في مواجهة الباطل وأنا أحمد الله ان من أتصدي لهم أو اصطدم بهم يحملون لي في صدورهم قدر من الاحترام يفوق بمراحل كراهيتهم لي فكم أنا حاد في خصومتي لكني أشهد الله اني ما سعيت للنيل من أحد أبداً إلا إذا كان هذا الأحد يصر علي التمسك بضلاله والمضي في ايذاء الآخرين علي المستوي العام أو الشخصي لكن ما يثلج صدري ويبعث الطمأنينة في نفسي. اني أتقي الله قدر ما استطعت في مواجهة الأفاقين والانتهازيين وحرامية المال العام ـ وهم كثرة ـ وفي المقابل هناك مسئولية أخلاقية للدفاع عن المخلصين والشرفاء في كافة المواقع من أصحاب الرسالات والمبدعين وغيرهم من عامة الناس والصورة ليست قاتمة إلي هذا الحد فهناك العديد من النماذج المضيئة في حياتنا. أقول هذا علي خلفية الأسابيع القليلة الماضية التي أقدمت خلالها علي الغوص في مذكراتي وأرشيفي الصحفي فإذا بي أدير عقارب الساعة إلي الخلف وأتعجب كيف استطعت أن أتجاوز هذا الكم من العوائق والتحديات والدسائس من قبل ضعاف النفوس فإذا بي بعون من المولي سبحانه وتعالي استثمر تلك المعوقات ببركة دعاء الوالدين ـ رحم الله والداي ـ وأحولها إلي جسور أعبر من خلالها باتجاه طريق الحق بامتداد مسيرتي الصحفية منذ عام 1977 في "الجمهورية".. أربعون عاما بالتمام والكمال في بلاط صاحبة الجلالة كتبت خلالها تاريخ صحفي أفاخر به بين أبناء جيلي.
** وعندما أتوقف أمام النقاط المضيئة في مسيرتي الحياتية عموما ومسيرتي الصحفية علي وجه الخصوص أجدني مدين بعظيم الفضل لثلاثة أساتذة كانت لهم أياد بيضاء ساعدتني في مواجهة العواصف والأنواء يأتي في مقدمتهم الدكتور رشاد الشامي استاذ الأدب العبري في الجامعة المصرية فكم أحاطني استاذي الراحل ـ طيب الله ثراه ـ بالعناية والاهتمام وفتح لي الطريق للعمل بالصحافة وفي معشوقتي "الجمهورية" كان لأستاذي محفوظ الأنصاري رئيس تحريرها "1984 - 1998" دور عظيم في مسيرتي الصحفية. فقد منحني الفرصة لكتابة عمود يومي في السادسة والعشرين من عمري أزعم انه أحد أبرز الأعمدة الصحفية في الصحافة المصرية خلال الربع الأخير من القرن العشرين ولن أنسي ما حييت عظيم دور أستاذنا ابراهيم نافع نقيب الصحفيين التاريخي الذي ساندني بقوة وبكافة الوسائل وأنقذني من عملية اغتيال معنوي استمرة لعدة سنوات..!
- ومنذ نشر مقالي الأول في "الجمهورية" في نوفمبر عام 1981 كتبت أكثر من ثلاثة آلاف مقال في عمود "للذكري" وغيره وحرصت علي التأريخ للعقل المبدع في سبعة مؤلفات وحظيت بتقدير وإشادة كبار الكتاب والأدباء ولم أكن أحلم بإشادة قامات فكرية وأدبية وصحفية بحجم يحيي حقي وكامل زهيري ومصطفي بهجت بدوي ومصطفي أمين وعبدالوارث الدسوقي وصبري موسي والدكتور فتحي عبدالفتاح والشاعر جمال بخيت وناصف سليم وأمينة شفيق وعبدالحميد حمروش وابراهيم الورداني وضياء الدين بيبرس والدكتور عبدالعزيز شرف ومحمود فوزي ومحمد سلماوي وابراهيم حجازي وأسامة سرايا وثروت أباظة وحلمي النمنم ومحمود بكري إضافة إلي عميد الكتاب المصريين أستاذنا محمد العزبي ومحمد فودة وعلي هاشم ومؤمن الهباء وسمير الجمل وعشرات من أصحاب الأقلام الذين لم تسعفني الذاكرة لاستحضار أسمائهم وسوف يظل اسم صديقي الدكتور أحمد المنزلاوي نقطة مضيئة في حياتي علي المستويين المهني والإنساني ولا أستطيع أن أمر مرور الكرام علي عظيم دور الكاتب الصحفي والمؤرخ الدكتور عبدالعظيم رمضان الذي حرص علي طباعة كتابين لي في سلسلة من تاريخ المصريين التي كان يرأس تحريرها والصادرة عن هيئة الكتاب ليس فقط بل تحمس لقلمي وأشاد بمنهجي وأسلوبي في تناول وتأصيل الذاتية المصرية وكم أسعدني بتقديمه لكتابي الأول بسطور تحمل الكثير من المعاني قال رحمه الله: "انني أعتقد ان الاستاذ شكري القاضي بما يبذله من جهد انما يقدم تحدياً للدوائر العلمية بأمثال هذه التراجم".
** آخر الكلام:
- لا يفوتني أن أسجل بحروف من نور باقات التقدير التي أحاطني بها نقيب النقباء وشيخ الصحفيين الراحل الاستاذ حافظ محمود وصدق أو لا تصدق ان التاريخ الذي أحمله علي صدري يتمثل أكثر ما يتمثل في عدم استطاعتي المساهمة في انصاف هذا القطب الصحفي الكبير. فقد حملني الأستاذ مسئولية نشر مذكراته التي اختصني بها ـ بخط يده ـ وأودعها لديّ منذ سبعة وعشرين عاما وأزعم ان الزميل سعد سليم سوف يحملها عني..!!