الجمهورية
بسيونى الحلوانى
علماء الأزهر.. وفتنة كشوف الفتوي
لا خلاف علي أن الهدف من وراء منع غير المؤهلين للإفتاء من الظهور في وسائل الإعلام نبيل.. خاصة بعد أن ابتلينا خلال السنوات الأخيرة بنوعية غريبة وشاذة من الأدعياء الذين نصبوا أنفسهم علماء وباحثين ومتحدثين باسم الإسلام.. وهم أجهل خلق الله بالإسلام وأحكامه وآدابه وأخلاقه ورسالته في حياة كل من يؤمن به ويلتزم بهدايته.
لكن.. لابد أن نعترف بكل صراحة أن الوسيلة التي اتخذت لمنع الأدعياء والمتسلقين كانت متسرعة وغير مدروسة وتورط فيها الأزهر ودار الإفتاء.. حيث اكتفي كل من المؤسستين الكبيرتين بعدد محدود جداً من الأسماء للقيام بواجب الفتوي في وسائل الإعلام.. وبعضهم لم يتمرس علي الفتوي ولا يحمل خبراتها ولم يتعامل من قبل مع تساؤلات الجماهير لا من خلال وسيلة إعلامية ولا من خلال لقاءات مباشرة.. فكيف يظهر هؤلاء - مع احترامنا الشديد لعلمهم ومكانتهم- في وسائل إعلامية ويردون علي تساؤلات الجماهير علي الهواء مباشرة وهم لم يواجهوا هذا الموقف من قبل؟!
الغريب والعجيب أن القائمة التي قدمها الأزهر لتولي مسئولية الإفتاء في وسائل الإعلام خلت من اسماء معظم أعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية المتخصصين في الشريعة الإسلامية.. الأمر الذي يطرح سؤالاً مهما: كيف يستمتع عالم أزهري بعضوية هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية وهو غير قادر علي الرد علي تساؤلات الجماهير الدينية؟!
ثم إن الفتوي تحتاج إلي علم واسع في مختلف العلوم الإسلامية ودراسة مستوعبة للواقع الذي يعيشه المجتمع ومشكلاته وتداعياته علي حياة الإنسان.. وهذا العلم وتلك الخبرات لا يمتلكها المتخصصون في الفقه فقط.. بل هناك علماء في تخصصات أخري يملكون من العلم والخبرة ما يتفوقون به علي كبار المتخصصين في الفقه ود.أحمد عمر هاشم الذي خلا كشف الأزهر من اسمه مجرد نموذج للعالم الأزهري الشامل القادر علي الفتوي والحديث بطلاقة في كل ما يتعلق بالشأن الإسلامي.
***
أيضا لقد أخطأ الأزهر عندما وضع علماء شريعة في القائمة المحظورة لمجرد التورط في الإجابة عن سؤال في فضائية تبحث عن الإثارة.. كما حدث مع العالم د.صبري عبدالرءوف وهو من أكثر أساتذة الشريعة الإسلامية استيعاباً للفقه واجتهادات الفقهاء قديماً وحديثاً ومن أكثر العلماء قدرة علي الفتوي ولو كان جانبه التوفيق في الرد علي سؤال لمشاهد في برنامج يبحث عن الإثارة ويستخدم الدين لتحقيق هدفه.. فلا ينبغي مصادرة حقه في الفتوي وحرمان الجماهير من الاستفادة من علمه وتاريخه العلمي في الأزهر مشرف.
قائمة الأزهر خلت من اسماء عالمات شهيرات من نوعية د.سعاد صالح ود.عبلة الكحلاوي ود.مريم الداغستاني ود.آمنة نصير وغيرهن من العالمات الأزهريات.. فكيف يخلو الأزهر من العالمات القادرات علي الفتوي؟!. ومن الذي يفتي النساء في أمورهن الخاصة وكثيرات يتحرجن من طرحها علي علماء رجال؟!
أنا أعتقد أن الأزهر تورط في هذه القائمة.. وأعلم أنه الآن يحاول تدارك الموقف وطلب من كل كليات جامعة الأزهر ومن مجمع البحوث الإسلامية إمداده بأسماء وسيرة كل من يرغب في الحديث في وسائل الإعلام.. وأعطي لذلك مهلة حتي آخر الشهر الجاري حتي يقدم قائمة شاملة للهيئة الوطنية للإعلام لكي تكون متاحة لكل الفضائيات ووسائل الإعلام للاستعانة بمن يريدون منهم حسب تخصص واهتمامات كل عالم.. وهذا هو التصرف الصحيح حتي لا يسيء الأزهر إلي علمائه وأساتذته بمنعهم من أداء واجبهم الدعوي.. وهو لا يقل أهمية للمجتمع عن الواجب الأكاديمي الذي يؤدونه داخل قاعات المحاضرات بالجامعة.
***
ساحة الدعوة الإسلامية في أمس الحاجة إلي كل مفت أو داعية مؤهل.. ومنع أساتذة جامعة الأزهر ووعاظه والمتميزين من دعاة الأوقاف وباحثي دار الإفتاء سيصب في صالح المتطرفين الذين يطاردوننا بفتاوي وآراء شاذة وغريبة في العديد من الوسائل الإعلامية التي مازالت خارج سيطرة الهيئة الوطنية للإعلام.. فضلاً عن طوفان المعلومات الخاطئة والفتوي الدينية الشاذة التي تتناقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لذلك ينبغي أن يدعم الأزهر علماءه وأساتذته ولو كان هناك أستاذ يخرج عن خط الأزهر ومنهجه الوسطي.. فيجب مساءلته ومنعه من التدريس في الجامعة.. ومن صعود المنبر قبل منعه من وسائل الإعلام.. كما قال د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في مداخلة مع احدي الفضائيات.
علماء الأزهر جميعاً محل ثقتنا وتقديرنا.. ولو وجدنا من أحد منهم خروجاً علي النص ينبغي محاسبته ومناقشته.. ولو اعترف بالخطأ وراجع نفسه وعاد إلي صوابه لا يصادر حقه في الفتوي أو الظهور في وسائل الإعلام.. لأن الأزهر يعلن كل يوم أنه لا يصادر الفكر ولا يمثل كهنوتاً دينياً وهو عجز طوال السنوات الماضية عن منع أدعياء الفتوي والدعوة عن الظهور في الإعلام.. ولا ينبغي أن يكون سيفاً علي رقاب علمائه وأساتذته فقط.. فالمراجعة مطلوبة وواجبة والاعتراف بالخطأ يكفي عند وجود هفوات.. والله سبحانه وتعالي يقبل توبة عبده الكافر.. وينبغي أن يقبل الأزهر اعتذار علمائه عند وجود هفوة من أحد منهم.
بقيت هنا نصيحة لعلماء الأزهر الأفاضل.. وهي رفض المشاركة في برامج الإثارة الدينية.. وفي مقدمتها برنامج "عما يتساءلون" الذي يعتمد مقدمه علي استغلال الدين في تحقيق نسب عالية من المشاهدة.. وورط د.صبري عبدالرءوف ود.سعاد صالح في سؤالين غريبين أثارا اللغط حولهما رغم أن لهما باعاً طويلاً في الفتوي والتعامل مع تساؤلات المشاهدين.
نعم.. الهدف نبيل وساحة الفتوي والدعوة الإسلامية تحتاج إلي ضبط.. لكن أرجوكم أحسنوا الوسيلة حتي لا نسيء لعلماء الأزهر
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف