الأهرام
بهاء جاهين
خمسة وعشرون عاماً على رحيل يحيى حقى
«يحيى حقي.. الفنان والإنسان والمحنة»: مجموعة مقالات عن الكاتب الكبير بقلم رجاء النقاش صدرت أخيرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (سلسلة إصدارات خاصة), وأيقظت فى صدرى سحر شخصية أديب فاتن كنت مواظباً على قراءته, خاصة مقالاته الأدبية.

كتاب النقاش, أو بالأدق مقالاته التى جمعها بنفسه وأعدها للنشر لكنه رحل قبل أن تصدر فى كتاب, هو عمل يفيض بحب مُعْدٍ, فما بالكم بشخص كالعبد لله مصاب أصلًا بهذا الداء اللذيذ: عشق يحيى حقى وما يكتبه, والعالم الذى رسمه؟ والاسم الذى أراده النقاش لكتابه هو «تلميذ السيدة زينب», إشارة إلى الحى الذى نشأ فيه حقى وتربّى وجدانه وكان المحارة الحاضنة للؤلؤته الأدبية الفريدة «قنديل أم هاشم»؛ إلا أن أسرة المبدع الكبير فضلت عنوان مقالة أخرى ليكون عنوانا للكتاب: «الفنان والإنسان والمحنة». والعمل يضم 17 مقالة عن يحيى حقى بقلم النقاش, بعضها بعد وفاة حقى مباشرة, أى فى ديسمبر 1992 ويناير1993 ونُشرت فى «اليوم السعودي», والبعض الآخر فى آخر يناير وطوال فبراير 2005 ونشرتها «الأهرام» بمناسبة مئوية يحيى حقى المولود فى السابع من يناير عام 1905. ويتزامن صدور هذا الكتاب مع اقتراب مناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على رحيل حقى فى التاسع من ديسمبر 1992 ذ أى اليوبيل الفضى لرحيل كاتب مُشِعٌ ونورانيّ كان يفضل الإضاءة الخافتة, وعاش مُحبَّاً للركن الظليل, خاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة من عمره المديد, بعد أن ذاعت شهرته الأدبية وتبارت كبريات الصحف فى طلب نشر مقالاته , أو لوحاته القلمية المبدعة التى أنشأها كنوع أدبي, لكنه فضّل جريدة «المساء» محدودة الذيوع, كأنه يهمس للقارئ بصوته الوديع. ولعل من أجمل ما أبدع فى هذا النوع, مجموعة المقالات التى كتبها للمساء فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ونشرها فى كتاب سماه «ناس فى الظل», ويتحدث فيه عن بشر مجهولين أو عن فنانين آثروا الظل وهم فى قمة التوهج مثل الفنان العظيم محمد القصبجى الذى بلغ به التواضع فى سنواته الأخيرة أن يجلس عواداً وراء أم كلثوم فى فرقتها الموسيقية. ولعل هذه المقالة البديعة التى تصور القصبجى لا تخلو من بعض روح كاتبها الذى لم يكن هو نفسه عاشقاً للأضواء.

لم يتطرق النقاش لكتاب «ناس فى الظل» ؛ لكن مجموعة مقالاته هذه أيقظت, كما قلت فى بداية هذه السطور,عشقى لحقى وصورته فى وجدانى وكتابه الأثير عندي. أما أهم ما تطرق له النقاش فى هذه المجموعة من مقالاته فهو أثر نشأة حقى فى أسرة محبة للأدب ذات أصول تركية فى حى السيدة زينب الذى طبع وجدانه بطابع صوفى شعبى وأورثه حباً للعامية المصرية لا يقل عن هيامه بالفصحي, وجعل افتتانه الشخصى والأسرى ببيرم وأزجاله مضارعاً لعشقهم لشوقى وأشعاره. ويلفتنا النقاش فى أكثر من موضع إلى أسماء كتب يحيى حقى ودلالتها على انطباعه بطابع الحى الذى نشأ فيه: الصوفى والشعبى معاً: مثلاً مجموعته القصصية «أم العواجز» وكتبه «فيض الكريم» و«خليها على الله» و«من باب العشم», إضافة بالطبع لعنوان عمله الأكثر شهرة» «قنديل أم هاشم», الذى صدر عام 1944 فى كتاب صغير عن سلسلة «اقرأ», ضم إلى جانب «القنديل» مجموعة من القصائد النثرية بعنوان «بينى وبينك» أفرد لها النقاش مقالاً, مدللاً فيه, إلى جانب مقالات أخري, على البُعد الشعرى فى لغة حقى وفى شخصيته.

تحية ليحيى والنقاش؛ لعمل مكتوب بعشق وجمال عن شخصية فاتنة, فى يوبيل رحيل حقى الفضي.. لعل آخرين يحيون معنا ذكراه .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف