الأخبار
سامى عبد العزيز
رأي - الدولة مولت.. فأين القطاع الخاص؟
اقتصاديات الشعوب الكبري والمتقدمة اقتصادياً تقوم علي المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.. اقتصاديات الشعوب الكبري استثماراتها في "الميكرو" و"الميني"، وتبتعد بشكل كبير عن "الماكرو".
الدولة والرئيس السيسي أدركت هذا المفهوم منذ بداية توليه المسئولية.. الرئيس السيسي أعلن عن توفير 200 مليار جنيه لدعم هذه المشروعات، وقام البنك المركزي برعاية هذه المبادرة، ووفر لها الأساليب اللازمة لتنفيذها.. غير أن الاستفادة من هذه المبادرة غير المسبوقة لم يتم بالشكل الأمثل حتي الآن.. الأموال متوفرة في البنوك، وفرص التمويل متوفرة، غير أن الفكر الاقتصادي للاستثمار علي النطاق الضيق وعلي المشروعات الصغيرة لا يزال ضيقاً..
الأرقام والإحصائيات تشير إلي أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل 60% من حجم صادرات الصين إلي العالم، و65% من الصادرات التايوانية، و70% من صادرات هونج كونج، و43% من صادرات كوريا.. وهي صادرات تقدر بآلاف المليارات سنوياً.. في مصر، إسهام المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يكاد يصل إلي 4% في أفضل الأحوال علي الرغم من أن نسبة العاملين في هذه المشروعات الصغيرة يمثل 75% من العمال في مصر.. لا يتناسب حجم العمال مع نسبة العائد، ولا يتناسب الجهد مع الناتج.. هناك إذن مشكلة كبري.. وهناك فاقد جهد ووقت ومال، وفرصة نجاح.
هناك خطوات جادة لتجسير هذه الفجوة.. علي سبيل المثال، قامت وزارة التجارة والصناعة بإطلاق أول خريطة استثمارية متكاملة للقطاع الصناعي في مصر، والتي تم اعتماداً علي الميزات التنافسية والمقومات الاستثمارية لكل محافظة، وتضم الخريطة 4136 فرصة استثمارية حقيقية في 8 قطاعات صناعية مختلفة.. وتمثل الصناعات الصغيرة الشريحة الأكبر في كافة الفرص بنسبة تصل إلي حوالي 56%، يليها الصناعات المتوسطة بـ 23%، ثم الصناعات متناهية الصغر بنسبة 13%، وأخيراً الصناعات الكبيرة بنسبة 8%، ومن المتوقع أن تتيح ما يقرب من 300 ألف فرصة عمل مباشرة.. هذه الخريطة هي بداية الطريق.. هي الدليل الذي يجب تعميمه وتوزيعه علي الشباب الراغب في العمل والباحث عن مشروعات صغيرة يمكن الانطلاق منها، والبدء بها..
مشكلة التمويل في مصر ليست في نقص الأموال، ولكن في ضمانات الحصول عليها.. إجمالي الأموال المودعة في البنوك المصرية تجاوزت ثلاثة تريليون جنيه مصري هذا العام.. المستخدم منها يقل عن 50% من هذه الأموال.. علي سبيل المثال، قام بنك مصر هذا العام بتخصيص 12 مليار جنيه تقريباً كمحفظة تمويلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، غير ان المستخدم منها فعلياً لا يتجاوز النصف بقليل (6.8 مليار جنيه)، والنصف الآخر هو نصف معطل في حاجة إلي من يقترضها، شريطة أن يكون قادراً علي تقديم الضمانات الكافية واللازمة.. شروط الإقراض في حاجة إلي مراجعة، وإلي تيسير.. نعلم أن هناك علاقة عكسية بين تيسير الإجراءات وارتفاع "نسبة المخاطر" وبالتالي "فائدة الإقراض"، غير أنه لابد من البحث عن صيغة توفيقية تضمن للبنك أمواله، وتيسر علي المقرضين شروط القروض.. مصر في حاجة إلي حاضنات استثمار أو للمشروعات Business Incubators كما هو الحال في الدول الحريصة علي تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. في أمريكا يوجد ما يقرب من 13 ألف حاضنة.. تقوم بإرشاد صغار المستثمرين وترشدهم، وتتابعهم.. مصر في حاجة إلي مثل هذه الحاضنات.. لدينا 200 مليار جنيه في حاجة إلي ضخها في سوق الاستثمارات.. نحتاج إلي الاستفادة منهم، وإلي استبدال مفهوم الريع والربح الجاهز إلي مشروعات حقيقية تفتح بيوت ناس حقيقيين.. كل مشروع صغير يفتح علي الأقل عشرة بيوت.. وكل مشروع صغير يطعم 50 شخصاً علي الأقل..
القطاع الخاص لا يجب أن يقف مكتوف الأيدي أو بعيداً عن هذا الإطار.. التدريب، وإنشاء مراكز تدريب علي الاستثمار وعلي البدء في المشروعات الصغيرة مهم للغاية.. الدعم اللوجيستي هو دور القطاع الخاص بعد أن وفرت الدولة ومنظومتها البنكية الدعم المالي.. الإطار التنشيطي هو دور القطاع الخاص، وهو محور اهتمامها في إنجاح هذه المنظومة.. التعاون بين المنظومتين ضروري في هذه المرحلة.. ومهم لتحقيق الأهداف المطلوبة.. كف واحدة لا تصفق.. توفير التمويل اللازم هو نصف الحكاية الصعب، والنصف الآخر في تشجيع أصحاب المشروعات الصغيرة علي استثمار هذه الأموال، وهو ما يجب أن يقوم به القطاع الخاص.. نحتاج إلي استثمار حقيقي، وانتهاز هذه الفرصة..ملحوظة: لقد توقفت كثيراً أمام كلمة محافظ البنك المركزي في لقائه للغرفة الكندية، حينما قال ان مشاركة القطاع الخاص أمر أساسي للتنمية الاقتصادية وللأمن القومي، وحينما أضاف أن أموال البنوك وتسهيلاتها متاحة حينما يصبح القطاع الخاص مدركاً وممارساً لمسئولياته الاجتماعية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف