المساء
محمد جبريل
شيماء.. والعالمية
يحيرني هوس العالمية الذي سيطر علي الكثيرين في العقود الأخيرة. لا يقتصر علي نشاط واحد. محدد. لكنه يشمل كل المجالات. صارت العالمية تسبق صفة الروائي الذي كلف مكتباً بترجمة روايته اليتيمة إلي الإنجليزية أو الفرنسية. وأصدر من الترجمة عشرات النسخ. وزعها علي من يجيدون اللغة الانجليزية أو الفرنسية. وأصدر من الترجمة عشرات النسخ. وزعها علي من يجيدون اللغة الأجنبية من الأصدقاء والإعلاميين. أو اكتفوا بتنبيه الكاتب إلي أن ما في أيديهم هو جواز سفره إلي العالمية. حتي في الألعاب الرياضية نتبرع بتسمية العالمي علي اللاعب الذي خاض بطولة دولية. والحكم الذي حمل الراية في مباراة إقليمية والأمثلة بلا حصر.
البداية ـ فيما أتصور ـ لما سرت عدوي سفر الدارسين إلي مدن في الغرب والشرق. يغيب الدارس بضعة أيام. ثم يطالعنا ـ عقب العودة ـ بشهادة أكاديمية. يرفقها بتزكية حصوله علي موقع مهم في أجهزة الدولة. وحفلت المؤسسات والجامعات بحاملي الشهادات المشكوك في صحتها. وحين نقل أعضاء نقابة مهنية شكوكهم إلي رئيسهم المنتخب. وأن الدكتوراه التي يحملها تنتسب إلي النيابات الطبية. وعدهم أن يأتي بالشهادة في الجلسة التالية.
وتوالت الجلسات دون أن يكرر وعده أو يعتذر. رفض أن يكون النسيان آفة علي حد تعبير أستاذنا نجيب محفوظ. وترك له مهمة اسكات الأعضاء.
شيماء نبيل خالد فتاة مصرية. تخرجت في كلية الحقوق. ثم قدمت أوراقها إلي المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون. وتخرجت في قسم الدراما والنقد بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولي. بالترتيب الأول علي الدفعة. ثم حصلت علي دبلوم الدراسات العليا بامتياز. وبالترتيب الأول علي الدفعة. ولأن الآفة في حياتنا الثقافية والأكاديمية تتجاوز النسيان إلي ما هو أخطر. ورغم تأكيد القضاء حق شيماء في وظيفة المعيدة فقد أقبلت ـ مدفوعة بحبها للمسرح ـ علي التأليف والإخراج وكتابة العروض والكتابة النقدية. وصار من حقها أن تطور تجربتها. وتضيف إليها. واتجهت إلي الهند بعمل من تأليفها وإخراجها. قدمه نجوم المسرح الهندي.
وظفت المسرحية أسطورة الرباعي المصري. أوزوريس وإيزيس وست وحورس. في قالب درامي ينتمي إلي فن الكاتكالي. وهو أحد الفنون التقليدية الهندية الموروثة. أضافت اليه ما تفيض به البيئة الشعبية من فنون ورقصات تقليدية.
اعتمدت شيماء علي مواردها المحدودة في السفر والعودة. فضلاً عن قضاء نحو الشهر في ولاية كيرالا التي شهدت العرض المسرحي. لم تحصل الفنانة المصرية الشابة في تجربتها علي دعم مادي من المعهد الذي تنتسب اليه. ولا من المسرح الذي أتاح لها تقديم موهبتها. لكنها عادت إلي الوطن محملة ـ كما قالت لي ـ بالكثير من الذكريات السعيدة. فقد ألهمتها التجربة أفكاراً إبداعية تري النور قريباً. وتيقنت أن المبدع الذي يعمل في بيئة فنية صحية. لا تضع أمامه العقبات. بل تشجعه وتساعده وتقدر عمله. تضيف شيماء ـ باعتزاز وثقة ـ ان تلك البيئة تعين الفنان علي استكمال تجربته الإبداعية بصورة أكثر تميزاً. فيضيف إلي الفن والإنسانية.
كان الطريق ـ لكي تحقق شيماء ذاتها الفنية ـ واضحاً. لم تلجأ إلي الدروب المتقاطعة. ولا إلي الشوارع الخلفية والمظلمة. إنما اعتمدت علي إرادتها. وثقتها بتحصيلها العلمي وموهبتها. فلامست تجربته بيئة فنية أخري. علي بعد آلاف الأميال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف