جلاء جاب اللة
يا حبيبي يا رسول الله.. أغثنا
اتفق كثير من المؤرخين علي أن مولد الحبيب المصطفي كان في عام الفيل.. في شهر ربيع الأول والذي سماه بعض العرب ربيع الأنوار لأنه شهد النور المحمدي ومولده الشريف وتحديداً في ليلة الاثنين الموافق الثاني عشر من ربيع الأول.
يختلف البعض في المولد لكن الجميع يتفق علي أن رسولنا الكريم اختار الرفيق الأعلي وحانت لحظة موته الكريمة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول أيضاً.
أبوه عبدالله بن عبدالمطلب هو الذبيح ابن الذبيح.. فجده الأكبر هو سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي فداه رب العزة بذبح عظيم.. وعبدالله أبوالنبي الكريم هو ابن عبدالمطلب الذي نذر إن رزقه الله بعشرة من الأبناء ليذبحن أحدهم فلما ولد حمزة بن عبدالمطلب اكتمل العشرة من الأبناء فقرر ذبح أحدهم واقترع علي أيهم يذبح فكانت القرعة من نصيب عبدالله ورفض أهل عبدالمطلب ووقفت قريش ضد الذبح وأفتت عرافة بمكة أن يفديه بعشرة من الابل كانت هي دية الفرد في ذلك الوقت فأجري القرعة بين عبدالله والابل فجاءت القرعة علي عبدالله وكان عبدالمطلب يزيد عشراً من الابل كل مرة حتي وصلت القرعة إلي مائة من الابل فكانت القرعة في هذه المرة علي الابل فذبحها عبدالمطلب فداء لولده وعلي اثر نجاته من الذبح زوجه والده من آمنة بنت وهب.. وبعد أن حملت به صلي الله عليه وسلم مات عبدالله.. ولم تجد آمنة أثناء حملها كما يروي الرواة الأقارب ما تجده الحوامل عادة من الضعف والتعب وعندما وضعته آمنة رأت نوراً يخرج منها فأضاء لها قصور الشام.. فكان محمد عليه الصلاة والسلام دعوة أبيه إبراهيم أن يرزق الله العرب نبياً منهم يدعو إلي الله.. وكان بشري سيدنا عيسي بأن بشر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد.. وكان النور الذي رأته أمه آمنة خارجاً منها فأضاء لها قصور الشام.
ويؤكد الرواة أن حبيبنا محمد عندما حملت به أمه آمنة أتاها آت فقال لها: لقد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضع في الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وآية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصري من أرض الشام فإذاً فسميه "محمداً" فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السماء والأرض.. وولد الحبيب مقطوع السرة.. ومختوناً وأزيح إيوان كسري فارس يوم مولده الشريف وسقطت شرفاته وخمدت نار فارس التي لم تكن قد خمدت منذ ألف سنة.
وامتلأ البيت الذي ولد به بالنور حتي رأي الناس النجوم وكأن قد اقتربت من الأرض في ذلك اليوم.. وولد بعد هزيمة أبرهة الذي حاول هدم الكعبة بحوالي خمسين يوماً.. وبعد وفاة والده بعدة شهور وكان عبدالله بن عبدالمطلب قد سافر بتجارة في غزة ومرض هناك وعاد مريضاً ومر علي اخواله من بني عدي بن النجار في المدينة المنورة فمات عندهم.. فولد الحبيب المصطفي يتيماً فطوبي لليتامي!!
وماتت أمه آمنة وهو في سن السادسة من عمره ورعاه جده ثم مات جده بعد عامين من وفاة أمه فكفله عمه أبوطالب.
هذه الرحلة لليتيم محمد صلي الله عليه وسلم دليل حي في دلائل النبوة.. فهذا الطفل أخذه معه عمه أبوطالب إلي الكعبة يناجي ربه بعد أن بلغ القحط في مكة مبلغه.. ودعا أبوطالب وهو ممسك باليتيم محمد.. وما أن انهي الدعاء حتي جاءت سحابة فنزل منها المطر وارتوي الناس والحيوان والشجر.. وحمي الله محمداً من كل ما يسيء فلم تظهر له عورة ولم يفعل كما يفعل الصبيان وظل في حمي الله يقول سبحان وتعالي "ألم يجدك يتيماً فآوي. ووجدك ضالاً فهدي. ووجدك عائلاً فأغني".. وكما حمي الله أباه إبراهيم فلم يسجد لوثن أو صنم فقد ظل وجه نبينا محمد كريماً ولم يسجد لصنم قط.
تلك بدايات سريعة للسيرة المحمدية وهو طفل لا أسوقها في هذه الأيام المباركة كتاريخ بل للعبرة.. فرسولنا الكريم بشر "كل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".
ومع بشريته كان الله قد أعده بنوره ورعايته للنبوة فكان حاله الشريف خير منا بحماية الله ورعايته "رباني ربي فأحسن".. حباه الله بكمال في الجسد والروح والنفس والعقل والأخلاق فسما بها سمواً عالياً حتي قبل أن يتنزل عليه الوحي فكان لقبه عند الناس "الصادق الأمين".
وبعد الوحي.. بدأت الرحلة الصعبة في حياة محمد كان عم الإسلام الأرض وترك فينا ديناً كاملاً "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
هذه الرحلة المحمدية الطويلة من العطاء الإلهي.. والعطاء الإنساني والعطاء الديني هي حقيقة الإسلام وحقيقة الحياة وحقيقة الآخرة.. ولكننا تهنا باجتهادات بشرية.
استمر العطاء المحمدي سنوات طويلة حتي ربي رجالاً.. بشراً يحبون الله ويحبون الآخرة ويحبون الدنيا ويعملون لها بصدق واخلاص فنشروا الدين بأخلاقهم وتصرفاتهم وعملهم الطيب وجهادهم الكبير.. "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً".
أنظر بما أمر الله حبيبه المصطفي أن يسبح الله ويحمده ويستغفره ويتوب الله!!
لقد كانت حياة محمد رسول الله دروساً وعبراً لو تعلمناها اليوم لكنا أفضل الأمم.. ولو تعلمنا الدروس التي برزت ووضحت في كل رحلة من مراحل السيرة المحمدية لكنا أفضل خلق الله ولاكدنا قوله سبحانه "كنتم خير أمة أخرجت للناس".. بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سيرة الحبيب المصطفي وأصحابه الكرام وأهل بيته رضوان الله عليهم هي الهداية وهي الطريق لمن يريد أن يصل لأعلي درجات العلا في الدنيا والآخرة لكن المسلمين اليوم في حال غير الحال ولم يعد يهمهم من الإسلام الذي علمنا أياه الحبيب سوي القشور والشكل والمظهر بينما حقيقة الجوهر التي علمنا إياها قولاً وعملاً وسيرة وسنة وحديثاً ليس لها وجود في عالمنا الإسلامي.. بل إن الغرب غير المسلم تعلم الأدب الإسلامي من سيرة الحبيب وعلمه لأجياله وتعلموه فتقدموا وتطوروا بينما نحن أصبحنا أسري تكنولوجيا الغرب وما يقدمونه لنا من مظاهر حضارية كاذبة.
يا حبيبي يا رسول الله لقد علمت البشرية وعلمتنا فتعلم الآخرون وضعنا نحن في بحر الظلمات الذي صنعناه لأنفسنا بأنفسنا.. فاغثنا يا حبيبنا يا رسول الله.. أغثنا يا حبيب الله فنحن الآن ضياع ولن ينقذنا إلا هديك وخطاك الذي يجب أن نسير عليه وعلمتنا إياه فنسيناه.. وخرج علينا المتنطعون فجاءوا بما لم تأت به.. وخرج علينا الغلاة فأتوا بما لم تقل ولم تفعل وكان الرد الطبيعي أن غلا العلمانيون ودعاة التحرر فأصبحنا بين كفي الرحي.. غلاة وغلاة وتنطعاً وتنطعاً والحقيقة ضائعة يا رسول الله فأغثنا يا حبيبي يا رسول الله أغثنا يا حبيبي يا رسول الله بهديك وتعاليمك وسنتك فنحن احوج ما نكون إليك الآن ادع لنا ربنا أن يغفر لنا ويتوب علينا ويهدينا إلي صراطك المستقيم ويرزقنا الخير بطاعته ويلهمنا الرشاد.
يا حبيبي يا رسول الله أغثنا أغثنا.