محمود سلطان
تفجير مسجد الروضة.. بعيدًا عن الثرثرة الفارغة!
حتى قبيل كتابة هذا المقال، أُعلن عن استشهاد 184 مصريًا، في الهجوم على مسجد بشمال سيناء.. وهذه حصيلة أوّلية، والعدد قابل للزيادة بالتأكيد.
ولا جدال في أنها جريمة بالغة الخسّة والحقارة، صدمت الرأي العام، فاستهداف المصلين المسالمين في دور العبادة "مساجد أو كنائس"، لا يمكن قبوله تحت أي تبرير، بل هي جريمةٌ لا يقدم عليها، إلا وحوش وبهائم لا قلب لهم ولا ضمير ولا دين ولا علاقة لهم بما هو إنساني.. بل هم كائنات خارج أي تصنيف بيولوجي، قوى ظلامية شريرة ضد الحضارة وضد الإنسانية.. وجودهم ضد وجودنا كبشر: إما نحن وإما هم، لا بقاء لنا إذا بقوا.. لن ينجو أحد إذا نجوا.. صراع وجودي عدمي لا حلول وسط مع هذه الكائنات الضالة والمسعورة.
هذا الاستهلال ضروري قبل أن ندلف إلى صلب هذا التحول الخطير والذي لم تعرفه مصر في تاريخها كله.
كان استهداف الأقباط والكنائس في التسعينيات (المواجهات مع الجماعة الإسلامية الجهاد)، مُدرجًا كأداة ضغط وإحراج للدولة، أمام المجتمع الدولي الذي يهتم بقضايا الأقليات وخاصة الدينية في العالم.. وكذلك استخدمته "داعش" في الدلتا (كنيستي طنطا والإسكندرية) لهز ثقة النظام في قدرته على حصارها في شمال سيناء، وفي الأولى والثانية كان "الآخر الديني ـ الأقباط" هدفًا لتلك الجرائم.
هذه المرة، استهدف مسجدًا، خلّف عشرات القتلى والجرحى، في مشهد شديد التطابق مع ما يحدث في العراق وسوريا.. بالتزامن مع اختفاء داعش في تلك الدولتين، وذوبانها واختفائها بشكل مذهل، تواترت على إثره تساؤلات: أين ذهب داعش؟!
حادث سيناء، يشبه إلى حد كبير، استهداف "داعش" العراق لمسجد الإمام الصادق في الكويت في 26 يونيو عام 2015، والذي خلّف 27 قتيلاً و227 مصابًا.. هذا التحول المفاجئ والصادم، يحمل بصمات داعش العراق وسوريا، ما يعني أن اختفاءها في هذين البلدين، ومع حادث الجمعة، يشير إلى أنه من المحتمل الأقرب إلى القطع، أن تكون كتائب داعش (العراق وسوريا) قد انتقلت فعلاً إلى سيناء.
وقد بلغني توًا معلومات، عن الهوية المذهبية والقبلية للضحايا؛ إذ تواترت الأخبار التي تشير إلى أنهم من الصوفية ومن قبيلة السواركة: الأولى ـ من وجهة نظر داعش كفار.. والثانية قبيلة "عميلة" للأمن! كما تقول داعش مع كل عملية تصفية لسيناوي على يديها.
الهجوم على مسجد سيناء إذن دلالته شديدة الخطورة: أولها أن داعش العراق وسوريا انتقل إلى سيناء.. والثانية: يعتبر الهجوم ووحشيته، استهلالاً لحروب قبلية ـ دينية داخلية مروعة، قد تجعل من منطقة شمال سيناء ـ وإلى أجل غير مسمى ـ عبئًا على خطط محلية أو إقليمية لإدماجها في عالم أكثر حداثة وتنمية.