الوطن
د. محمود خليل
دماء الساجدين
فى لحظة غادرة استشهد 305 مواطنين مصريين بسطاء، وأصيب المئات. ماتوا لأنهم تركوا متاع الدنيا وسعوا إلى ذكر الله وأداء صلاة الجمعة. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ». الله تعالى يأمر المسلم بأن يترك البيع والتجارة عند الاستماع لنداء الصلاة الجامعة، والتفرغ الكامل لذكر الله وأداء الفريضة، لكن القتلة وعبدة الشيطان ورعاة الإرهاب لهم رأى آخر. يوم الجمعة من وجهة نظرهم يوم للقتل، فما إن سمعوا النداء، حتى حملوا سلاحهم ومتفجراتهم، وسعوا إلى المصلين البسطاء بمسجد الروضة بالعريش، وأعملوا فيهم القتل، وأدوا صلاة الدم إرضاءً لمعبودهم «الشيطان». لم يرحموا طفلاً ولا شيخاً. النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لولا شيوخ ركع وشباب خشع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً». الله تعالى يرحم عصاته، مهما كثر عددهم، رأفة بشيوخ يركعون لسلطانه، وشباب يخشعون لتعاليمه وأحكامه، وأطفال ضعاف لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، وبهائم سائمة تسعى فى أرض الله. الله تعالى يرحم العصاة من أجل هؤلاء. فبماذا نصف من يقتلون أطفالاً وشيوخاً ورجالاً يقولون ربنا الله، كيف رخّصوا لأنفسهم إراقة دمهم فى موضع سجودهم؟.

آية الجمعة وردت فى سورة الجمعة، وهى السورة التى سبقت سورة «المنافقون»، وقد فضحت السورة الأخيرة هذا الرهط من المسلمين الذين كانوا يعبدون الله تعالى عبادة ظاهرية أمام البشر، حتى إذا خلوا إلى شياطينهم «قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ». المنافقون يركعون للشيطان، ويصلون للقتل وإزهاق الأرواح، ويتوضأون بالدم. تلك هى حال من ذهبوا إلى مسجد الروضة بالعريش، وخضّبوا أرضه الطاهرة بدماء الجباه الساجدة.

الحياة فى النهاية قصيرة، وكل نفس ذائقة الموت، وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت. الشهيد مات لأن أجله حان، والقاتل هو الآخر سوف يموت، لكن يبقى بعد الموت أمران؛ منهما أن فارقاً كبيراً بين من يموت وهو يريد الحياة التى فطر الله تعالى الإنسان على حبها، وأمره بأن يشكر بطاعته له النعم التى أسبغها الله عليه، وبين آخر يموت وهو يدمر الحياة، ويسحق الجماجم، ولا يرحم صرخة طفل أو وهن شيخ أو شباب فتى يستقبل الحياة. فارق كبير بين من يموت وهو يبنى ويحتمل الحياة محبة فيها، وبين من يموت لأنه أراد أن يحقق رغبة الشيطان فى سحق الحياة. ثمة فارق آخر بين من يذهب إلى ربه وجبهته مجللة بدماء السجود، وبين من ترك الصلاة للواحد الأحد وصلى لشيطانه، وتوضأ بدماء خلق الله الآمنين فى دور عبادتهم. الله تعالى عادل أبداً. هناك قيامة وحساب، وإما جنة خلد أو عذاب مقيم، ومن يحمل السلاح ويريق به دماء المصلين أبعد ما يكون عن الإيمان بأن هناك آخرة، وحساباً عسيراً لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فلو آمنوا لما اقترفت أيديهم ما اقترفت. دماء الساجدين ستبقى لعنة أبدية فى رقاب قاتليهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف