سؤال سهل في ظاهره شديد الصعوبة في باطنه.. كيف أختار طبيبي؟.. أو ما هي "مواصفات" الطبيب الذي أثق فيه وأسلمه نفسي مطمئنا؟.. أو بصيغة أخري ثالثة: كيف أثق في أن الطبيب الذي يعالجني يفعل الشيء الصحيح خصوصا إذا كنت أعاني من مرض مزمن أو صعب لا تظهر نتائج علاجه بشكل سريع.. أو إذا كان الأمر يتعلق بتدخل جراحي لا يخلو من مخاطرة؟. هذا هو ملخص الرسالة التي تلقيتها قبل أيام من أحد القراء علي بريدي الاليكتروني.
أعترف أن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات شديدة الصعوبة. وأنه من الصعب وضع "مواصفات" و"مقاييس" محددة ثابتة. تمكن المريض من تقييم كفاءة الطبيب قبل اللجوء إليه أو حتي تقييم كفاءته أثناء العلاج.. هل تكون المؤهلات العلمية والخبرة العملية هي المقياس؟.. ليس بالضرورة. فخلال خبرتي العملية في مجال الصحافة الطبية والتي تزيد علي ثلاثة عقود.. التقيت أطباء لا يحملون من الشهادات والدرجات العلمية أكثر من شهادة البكالوريوس في الطب. ويتمتعون بكفاءة مذهلة حتي أنني اذكر طبيبا متخصصا في أمراض القلب يحمل درجة الماجستير ولا شيء غيرها.. كان مرضاه يلقبونه عن جدارة بوصف "عبقري الطب" وكان يستطيع بالسماعة الطبية وحدها تشخيص أمراض قلبية عجز عن تشخصيها باستخدام التقنيات الحديثة أساتذة كبار من نجوم التخصص والضيوف الدائمين علي الفضائيات.. وأعرف طبيبا جراحا لم يحصل علي أكثر من الدبلوم.. وهي درجة أقل من الماجستير واعتقد انه تم إلغاؤها من نظام التعليم الطبي المصري.. يصفه المرضي بالمبروك وصاحب الأصابع الذهبية والكثير من الصفات الأخري التي تعكس انبهار المرضي وذويهم ببراعته.. وأذكر أنني كنت أعود مريضا في المستشفي الذي يعمل فيه هذا الطبيب ورأيت سيدة حاملاً تطلب منه أن يتولي عملية توليدها بجراحة قيصرية رغم أن تخصصه الجراحة العامة ورغم وجود أكثر من استشاري في أمراض النساء والتوليد بالمستشفي.ولكن بالطبع هذه ليست قاعدة عامة.. ولا يمكن أن نعتبر أن القاعدة هي التساوي في الكفاءة بين من اكتفي ببكالوريوس الطب وبين من حصل علي الماجستير والدكتوراة والزمالة واكتسب خبرة علمية هائلة.. بين من وقف علي أول درجة من سلم المعرفة الطبية وبين من درس وبحث وواكب المستجدات وطور معارفه ومهارته.. وأيضا هذه ليست قاعدة عامة.. فالحاصل علي أعلي الدرجات العلمية ليس بالضرورة هو الأفضل..لان مهنة الطب تتميز بطبيعتها الخاصة جدا.. بمعني أن الطبيب العالم قد يكون أقل فائدة للمريض من الطبيب نصف العالم.. هنا تدخل اعتبارات أخري غير الشهادات والخبرة الأكاديمية. مثل الأخلاقيات المهنية والجوانب الإنسانية.
فالطبيب قد يكون عالما ولكنه يضن بعلمه علي مريضه ويضن عليه بوقته.. قد يكون عالما ولكن ليس أمينا أو صادقا مع مريضه.. قد يكون عالما ولكن تحكمه الاعتبارات المادية وتسيطر علي قراراته عندما يحدد الفحوص التشخيصية أو التدخلات العلاجية أو حتي الوصفات الطبية.. قد يكون عالما في تخصص ما ولكنه لا يتردد في علاج حالات مرضية ليست في تخصصه حتي لا يضيع "الزبون" منه.. قد يري البعض أن هذا استثناء. وأتفق معهم.. ولكن هذا الاستثناء شديد التأثير.. والاهم من ذلك أن المريض لا يستطيع أن يحدد من هو الطبيب المنتمي إلي القاعدة وذلك المنتمي لقائمة الاستثناء.