محمد السعدنى
في الفكر والسياسة - قراءة أخري لمشهد الإرهاب
الأسئلة وحدها هي المبصرة، بما تتيحه من قراءة نقدية تستجلي الحقائق وتغوص فيما وراء الأحداث. ولأن كتاباً كثيرين ناقشوا واقع الإرهاب وجرائمه، فأعفونا عن الخوض بمرود في نفس المكحلة، لذا آثرت في مقالي هذا أن أنظر لظاهرة الإرهاب علي مصر من زاوية مغايرة، عمادها الأسئلة لا الأجوبة سابقة التجهيز والمعلبة.
وفي تقديري فإن الإرهاب في أي عصر وأية ظروف لم يكن إلا انعكاساً لصراع قوي وإرادات لفرض سياسات وتحقيق أهداف، هي بطبيعتها قصيرة الأجل، تدفع في سبيل خلق حقائق علي الأرض يمكن استغلالها أو البناء عليها. بهذا التعريف تنشأ الأسئلة وتفرض نفسها. ماذا يريد الإرهاب القائم علي مصر وماهي أهدافه؟ وهل يتصور من يحركه أنه قادر علي حسم المعركة لصالحه وإسقاط هيبة الدولة، فتركع مصر وتسلم بالمطلوب؟ أليس للإرهاب ذاكرة تاريخية يري من خلالها أنه يحاول المستحيل؟ وهل كانت هناك سوابق في عالمنا المعاصر انتصر فيها الإرهاب وفرض إرادته علي الدول المستهدفة؟ وإلام آلت حركات إرهابية سابقة مثل »كوكلوكس كلان وبادر ماينهوف والألوية الحمراء والجبهة الإسلامية للإنقاذ وعشريتها السوداء والقاعدة والتكفير والهجرة والجهاد والجماعة الإسلامية والشوقيون والإخوان المسلمون» وعشرات التنظيمات التي دحرت وانتهت ولم تحقق مما أرادت شيئاً؟ وهل تتصور حركات إرهابية مثل» أنصار بيت المقدس وحسم والمرابطون» وغيرها أنهم قادرون علي هزيمة مصر والنيل منها وإعلان إمارة سيناء دولة مستقلة علي غرار ما فعلته داعش مرحلياً في العراق وسوريا؟ ألم يروا أن داعش بكل الدعم اللوجيستي والعسكري والسياسي من قوي عظمي لم تصمد أمام القوات العراقية التي أخرجتهم من آخر جيوبهم في »الحويجة» فراحوا يفرون كما الجرذان إلي »البوكمال» في سوريا، وما لبثوا أن فروا إلي حدودنا الغربية مع ليبيا، لاستخدامها رأس جسر إلي الفرافرة والواحات ثم العريش والقنطرة والشيخ زويد وأخيراً بئر العبد ومسجد الروضة؟ وهل يتصور أحد كائناً من كان أن لهذه الحركات الإرهابية مستقبلا؟ خصوصاً في مصربسابق تجربتها في الثمانينيات والتسعينيات مع الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي المسلحة. ولقد سبق أن أصلنا للظاهرة في مقالات عديدة وقدمنا قراءتنا لمشهد الإرهاب وكيف أنه صناعة غربية أسست لها المملكة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية لاستخدامها شوكة في خاصرة عالمنا العربي تنفذ من خلالها لتحقيق مخططاتها في إعادة رسم خرائط المنطقة وتقسيمها إلي كنتونات متناحرة طائفياً وعرقياً واستنزاف مواردها وتطويع أنظمتها الحاكمة لتسود إسرائيل قوة إقليمية وحيدة وقادرة في الشرق الأوسط. ولئن تعجلت بعض الأنظمة وابتلعت الطعم وآثرت السلامة بالهرولة للاحتماء باسرائيل، فقد انتبهت دول أخري لما يراد بها وحملت لواء المقاومة وكانت علي قناعة أنها لابد أن تدفع الثمن، فالاستقلال الوطني ليس شعاراً مجانياً، ولقد دفعت مصر ثمناً ليس بالقليل وحتي عهد قريب وإلي أن خرج أوباما من البيت الأبيض وسقطت هيلاري في الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
عودة للأسئلة المبصرة، وقد طرحنا منها عدداً لو حاول القارئ إجابتها بموضوعية وتجرد، لوجد أن ظاهرة الإرهاب حتماً خاسرة، حتي لو كسبت بعض الجولات هنا أو هناك، غاية الأمر ألا يأخذنا التململ والهلع للتسرع والارتباك فنحقق لها هدفاً لا تستحقه، ولعل الإرهاب ومن وراءه يعرفون جيداً أن مناعة الشعوب الحية الناهضة قادرة علي مقاومة هذا المرض وهزيمته شريطة ألا تتوقف كثيراً أمام أعراضه وعملياته النوعية فتعطيها أكثر مما تستحق أو تستأهل.
وفيما يخص مصر باعتبارها خط المواجهة المستهدف، فعلينا أن نعرف أن هناك شبه اجماع من قوي عديدة إقليمياً وعالمياً ألا تترك الفرصة لمصر لتنهض فتكون قوة محورية مناوئة، وعلي مدد الشوف من هذه القوي الكبري تجربتا النهضة في تاريخنا المعاصر، مع محمد علي ثم جمال عبد الناصر، اللتان هددتا المصالح الإمبريالية لا في المنطقة وحدها وإنما وصل مداها لدعم حركات التحرر العالمي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرتا في موازين القوي العالمية، لذا لن يسمح الغرب أن ينمو شبح ناصر جديد علي ضفاف النيل، لذا يحاولون تحجيم احتماله وحتي تحجيم النيل نفسه. أيضاً لايريد الغرب الاستعماري المترصد لمصر أن تسقط فتتهدد تداعيات السقوط لا المنطقة وحدها بل العالم كله، ولديهم تجربة سوريا وستة ملايين لاجئ أحدثوا تغييراً جيوبوليتيكياً في أوروبا ومشكلات لا حصر لها، فما بالهم بمائة مليون مصري؟ إذن ليس مطلوباً لمصر أن تنهض، بل تظل محلك سر. من هنا تستطيع تفسير لماذا عمل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا علي حماية شراذم داعش المهزومة ونقلهم وعائلاتهم في حافلات فاخرة لملاذات آمنة، لنفاجأ بهم علي حدودنا الغربية وفي بئر العبد. ستنتصر مصر ويندحر الإرهاب لا محالة.