بوابة الشروق
مصطفى كامل السيد
محاذير مرحلة الإرهاب الجديدة
لم يملك كثيرون من المصريين تصديق ما نقلته إليهم أنباء ظهر الجمعة أن من يسمون أنفسهم دعاة للإسلام الصحيح يهاجمون مسجدا عامرا بالمصلين ويصوبون عليهم نيران أسلحتهم فيقتلون منهم مائتين وخمسة وثلاثين ويجرحون مائة وتسعا، كلهم كانوا من المسلمين، ومن بينهم أطفال ذهبوا لسماع الذكر الحكيم وأداء الصلاة التى تجمع المسلمين فى بيت من بيوت الله. لم يذكر هؤلاء الذين اعتصرت قلوبهم الفاجعة أن تلك ليست المرة الأولى التى يتهجم فيها مسلمون على مسلمين آخرين ليس فقط فى بيوت الله، أو حتى وهم يشيعون جنازة واحد منهم. جرى ذلك مرات لا تحصى فى العراق وباكستان وأفغانستان. طبعا الهجوم على الكنائس فى العراق ومصر أمر شاع كثيرا. قد يقول قائل: نعم هذا حدث ولكن المصابين كانوا من طائفة أخرى أو كانوا غير مسلمين. ولكن ماذا عن الهجوم على الكعبة ومحاولة احتلالها التى جرت فى سنة 1979؟ ألم يكن المهاجمون من السنة؟ أو ليست الكعبة هى أول الأماكن المقدسة لدى المسلمين جميعا أيا كانت مذاهبهم؟ وقد يقول قائل: ولكننا لم نتعود ذلك فى مصر. للأسف الشديد علينا ألا نستبعد تكرار مثل هذا الهجوم على أهداف سهلة. فمثل هذه الأعمال لها منطقها ولها آثارها المرغوبة لدى الجماعات المشابهة لمن اقترفوا هذا الجرم فى مسجد الروضة بقرية بئر العبد فى شمال سيناء. فما الذى استهدف «التنظيم» الذى قام أنصاره بهذا المذبحة تحقيقه؟

تستدعى الإجابة عن هذا السؤال أن نحاول النفاذ إلى عقول القيادات التى خططت لهذه الجريمة، وأن نقوم بحساب النتائج التى تترتب عليها. من السهل طبعا أن نرفض مثل هذا التحليل، فالذين يقومون بمثل هذه الأعمال هم وفقا لرسائل الإعلام مرضى نفسانيون، أو ضحية لمن ضللوهم عن صحيح الدين، وقد يكون الأمر كذلك، ولكن الارتكان لمثل هذه الأحكام المتسرعة والاكتفاء بها لن يعيننا كثيرا على مواجهة هذه الجماعات ولا اتقاء شر أعمالها المقبلة. ولكن الذى قد ينقلنا خطوة على طريق المواجهة الفعالة هو فهم مقاصد من نواجهه، والتعرف على النتائج المترتبة على ما يفعله.

***

والحقيقة أنى ألتمس العذر لمن يجد صعوبة فى فهم نمط العمل المسلح لهذه الجماعات التى ترفع راية الإسلام. من قرأوا مثلى أعمال منظرى الكفاح المسلح مثل ماوتسى تونج وهوشى منه وتشى جيفارا يعرف أن هناك قواعد لأعمال المقاومة المسلحة، وأنها تستند إلى كسب المواطنين إلى جانب من يحملون السلاح، وأنها ليست مغامرات مجانية بحثا عن بطولات وهمية، ولكنها سلسلة من الخطوات تنتهى بدحر عدو يتفوق فى العادة فى قوته المادية، ولكن عبقرية حروب التحرير الشعبية تلغى قيمة تفوقه هذه وتنتهى بوصول قواتها إلى مركز السلطة. لا ينطبق ذلك بكل تأكيد على ما تقوم به كل الجماعات المسلحة فى سيناء أو الصحراء الغربية أو فى مدن مصر فى الدلتا أو فى الصعيد. يصعب على من يتأمل ما تقوم به هذه الجماعات من هجوم على الشرطة وقوات الجيش أو على الكنائس والمساجد أن يرى فيها خطة يمكن أن تؤدى بأنصارها إلى امتلاك صمام الدولة. طبعا الانتصار على هذه الجماعات ليس سهلا، وعلى الأرجح أنها ستبقى إلى حين صداعا مستمرا للمجتمع والدولة فى مصر. ولكن ليس من المحتمل وهى تفتقد ظهيرا شعبيا واسعا وقدرة على مواجهة مباشرة ومستمرة مع القوات المسلحة أن تكون أكثر من تمرد محدود فى آثاره حتى ولو كانت بعض ضرباته من حين إلى آخر بالغة الألم.

فإذا كان مثل هذا التقدير صحيحا، فما الذى تبغيه هذه الجماعات؟ وما هى النتائج التى تترتب على ما تقوم به؟ ليست لدى الكاتب فى هذه اللحظة الوثائق التى تمكنه من الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكنها ذات أهمية بالغة فى هذا الظرف، ولذلك فالإجابات الأولية هى ضرورية لتلمس الطريق، ولنتبصر حتى لا نقع أسرى لما قد تريد هذه الجماعات تحقيقه.

وهناك نوعان من الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، أولها بالتأمل فى الأسباب التى أدت إلى استهداف مسجد الروضة بقرية بئر العبد، والثانى بالتفكير فى النتائج المترتبة على هذا الحدث فى حد ذاته، وهما يفتحان الباب لتقويم ردود فعلنا الرسمية فى مواجهته.

• لماذا مسجد الروضة؟

لقد اقترحت بعض التقارير الإعلامية أن قرية بئر العبد قد استهدفت عقابا لرفض مواطنيها التعاون مع أفراد هذه الجماعة الإرهابية بإيوائهم وتقديم يد المساعدة لهم. والتفسير الثانى مرتبط بالأول، وهو أن مسجد الروضة قد استهدف لأنه مركز جماعة صوفية لها فهمها للإسلام الذى يغاير فهم هذه الجماعة المتمردة للإسلام. وهكذا فبينما استهدف داعش الشيعة والمسيحيين والأزيديين فى العراق، تستهدف هذه الجماعة الصوفيين والمسيحيين، وقد سبق لها اغتيال مشايخ من الصوفيين والهجوم على كنائس ومسيحيين.

• آثار مجزرة الروضة على المواجهة مع قوات الأمن

ولكن أيا كانت درجة صحة هذه الإجابات، فمن المؤكد أن هذا الحدث له آثاره التى تتجاوز قرية بئر العبد. كانت النتيجة الأولى هى على صعيد علاقة مصر بالفلسطينيين فى غزة. فأجلت السلطات المصرية فتح معبر رفح ربما لعدة أيام أخرى. ولكن ألن تراود السلطات فى مصر الشكوك من أن يؤدى فتح المعبر فى المستقبل إلى زيادة خطر تسلل جماعات إرهابية إلى مصر من غزة أو هربهم إليها، كما قد يقلل هذا الحدث من عزم السلطات المصرية على مواصلة جهودها فى تحقيق المصالحة الفلسطينية. لاحظوا أن الإعداد لهذا الهجوم قد سبق فتح معبر رفح، وقد لا تكون له صلة على الإطلاق بغزة، ولكن ألن يوقظ هذا الهجوم الشكوك من أن الجماعات ذات الفكر التكفيرى فى غزة قد تستفيد من فتح المعبر بطريقة أو بأخرى للهجوم على الأهداف التى تروق لها فى مصر؟

وثانى النتائج المترتبة على هذا الحدث هى تحميل سلطات الأمن فى مصر، شرطة وجيشا، بمزيد من الأعباء لمواجهة هجمات محتملة على الأهداف السهلة التى لم يعد لمثل هذه الجماعات سواها بعد أن أخفقت عندما حاولت أن تتصدى مباشرة لقوات الأمن، ولقيت ضربات موجعة تجعلها تتردد فى تكرار هجومها عليها. وما أكثر الأهداف السهلة التى يمكن أن تصوب نحوها أسلحة هذه الجماعات؟ ما أكثر المساجد والكنائس فى سيناء! وما أكثر المدارس والمستشفيات! وما أكثر الحافلات وعربات النقل التى تنقل مسافرين مدنيين وعاملين فى سيناء! ألم يسبق منذ أسبوعين تقريبا الهجوم على عربات نقل أسمنت وقتل ست من سائقيها؟ هل توجد دولة واحدة فى العالم قادرة على تأمين كل دور العبادة والمرافق الاجتماعية ووسائل المواصلات ضد هجمات إرهابية ممكنة؟

ولكن ما هو موقف سكان سيناء وهم يدركون أنه ليس هناك ضمان ألا تتكرر مثل هذه الهجمات البشعة عليهم وهم يمضون فى حياتهم بسلام ويتحملون فى شجاعة القيود التى يفرضها هذا الوضع الأمنى على كسب قوتهم وتحركهم وساعات خروجهم من منازلهم؟ ألن يتملكهم الشعور بأن شمال سيناء هو منطقة غير آمنة، وأن الأفضل لهم أن يجدوا سبيلا للعيش خارجها. وهكذا تواجه الحكومة المصرية صعوبات جديدة وهى تفكر فى تعمير سيناء وأن تواجه خطر خلو شمال سيناء من مواطنيه.

وأخيرا لا تميز دول العالم وشركات السياحة بين شمال سيناء وجنوب سيناء. الأخبار التى تحملها وكالات الأنباء تتحدث عن العنف فى سيناء. أتمنى ألا تكون لهذا الحادث تداعياته على تدفق السياح إلى مصر فى وقت بدأ قطاع السياحة يشهد بعض التعافى.

• تجنب أخطاء المواجهات السابقة

لا أدعى أنى أملك حلولا مقترحة لمواجهة هذه الآثار المحتملة للمذبحة البشعة إصرارا وترصدا للمصلين فى مسجد الروضة فى قرية بئر العبد بشمال سيناء يوم الجمعة الماضى، ولكن هناك دروسا ثلاثا نستمدها من تجاربنا السابقة. أولها أن تنقية الخطاب الدينى مما لحقه من فهم خاطئ لتعاليم الدين أمر جيد ولكنه لن يكون فعالا فى مواجهة من يحملون الفكر التكفيرى وينشرونه. هم هاجموا المشايخ من الصوفيين، ولا أظن أنهم يسمعون خطاب الأزهر، فلديهم فقهاؤهم الذين يعظونهم بإسلام آخر يدعو إلى قتل المصلين الذين ليسوا على هواهم. كما أنه إذا كانت معرفتنا محدودة بهذه الجماعات، وحاجتنا ماسة لتشييد قاعدة معلومات صحيحة عنها تفيد فى مواجهتها، فإن أسلوب التصفية الجسدية الذى لجأت له قوات الأمن فى السابق، أيا كان تقييمنا له، يحرمها من كنز من المعلومات يمكن أن تحصل عليها لو أبقت من تصل إليه منهم أحياء للتحقيق معهم وتقديمهم للمحاكمة، وأخيرا ليس هناك ما يدعو لأن نحشر جماعات حقوق الإنسان المصرية والدولية فى قائمة المتهمين بالتغاضى عن جرائم الإرهاب فى مصر. وقد أزعجنى بيان هيئة الاستعلامات مساء جريمة مسجد الروضة وهو يقرع جماعات حقوق الإنسان والمجتمع العالمى بسبب استمرار جرائم الإرهاب فى مصر فى الوقت الذى كان زعماء العالم يعربون عن تعازيهم، وكانت أضواء برج إيفل الشهير فى فرنسا مطفأة تعاطفا مع ضحايا الإرهاب فى مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف