الأهرام
حسن ابو طالب
رسائل الإرهاب فى مسجد الروضة
بينما كانت جموع المصلين فى مساجد مصر طولا وعرضا يستمعون فى خشوع إلى خطبة عن الرسول الكريم صاحب رسالة التسامح والإنسانية، وكيف بعثه الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، كان نفر من إرهابيين يُطلقون النار على ضيوف الرحمن فى أحد بيوته بقرية الروضة التابعة لبئر العبد. المفارقة صادمة بكل المعانى، فتلك هى المرة الأولى التى يستهدف فيها الإرهابيون مسجدا وقت الصلاة بهدف قتل من فيه. إنها تطور نوعى يكشف عن إفلاس حقيقى لتلك المنظمات الإرهابية، فبعد فشلها فى كسر إرادة الجيش والشرطة، تتجه إلى نوعية من الأهداف لا يلجأ إليها إلا الشياطين، وهى أهداف رخوة تنتشر فى طول البلاد وعرضها، ويسهل ضربها لاسيما حين يتصرف المهاجمون بحمق عظيم. وكما سبق أن أكدنا حين استهدف الإرهاب الأسود كنائس الأخوة الأقباط أن مقصد هؤلاء هو كسر التلاحم الشعبى والمجتمعى، فإذا بهم يقدمون دليلا آخر على أن استراتيجيتهم الخبيثة وأفعالهم الدنيئة تستهدف مصر كلها، لا فرق بين مسلم ومسيحى أو بين ابن سيناء أو ابن محافظة أخرى، فمسعاهم هو الخراب والفوضى وترويع الناس.

جانب آخر من صدمة الهجوم على أحد بيوت الرحمن واجب احترامه ورعايته، أن الدين الذى بُعث رحمة للعالمين دون استثناء يستغله البعض من فاقدى البصر والبصيرة فى قتل المصلين شيوخا ورجالا وأطفالا بلا رحمة، فى وقت يرفعون فيه لافتات مكتوبا عليها الشهادتان. تلك المفارقة بين إدعاء الإيمان والضرب بعرض الحائط مبادئ ذلك الإيمان الموهوم تجسد لنا أزمة الفكر الإرهابى التكفيرى، وكيف أنه فكر فوضوى لا عقلانى، ولا يؤمن بالإنسان الذى كرمه الله سبحانه وتعالى، ولا يقدس النفس الانسانية التى نهى الله سبحانه وتعالى فى كل الأديان السماوية عن قتلها أو مجرد الإساءة إليها. انتشار هذا النوع من الفكر الفوضوى اللا إيمانى يؤكد فى الآن ذاته أن التقاعس من قبل المؤسسات المعنية بالجانب الفكرى والدينى لمواجهة الظاهرة الإرهابية المعاصرة تقودنا جميعا إلى حائط مسدود، وثمة بطء شديد غير مبرر فى إطلاق حركة فكرية تجديدية للخطاب الدينى تعيد النظر فى فتاوى تتضمنها كتب التراث كتبت منذ مئات السنين، وراعت ظروف عصرها وليس عصرنا، وفتح باب الاجتهاد والتخلى عن منطق الاتباع الشكلى، وإطلاق نهج التفكير العقلانى لكل ما يفيد المسلم، ويطلق ملكاته دون تفريط فى الثوابت الإيمانية، أو التقليل من شأنها. وهذا البطء يشكل مساحة فكرية بعيدة عن أى ضوابط تتسع يوما بعد آخر ويستغلها رعاة الإرهاب فى إطلاق رؤى دينية باطلة تعزز مواقعهم على حساب المؤسسات المعنية بتصحيح الفكر الدينى المغلوط.

وإذا كان الجانب الفكرى لا يمكن التهوين منه، فالجانب الأمنى لا يمكن استبعاده بأى حال، لأن حاملى السلاح لايُواجهون إلا بسلاح مضاد وشرعى وتحت إطار الدستور والقانون، ومن خلال مؤسسات بعينها تجمع بين الجيش والشرطة والأجهزة الاستخباراتية، ولذا فكل الذين غلبتهم انفعالات اللحظة وطالبوا بأن تقوم قبائل سيناء بمواجهة الجماعات الإرهابية بالسلاح كنوع من الثأر للشهداء، هو أمر غير مقبول لا فكرة ولا أسلوبا، ولا يجوز السماح به تحت أى ظرف. فكل من الجيش والشرطة ومن ورائهما مؤسسات الدولة المصرية تقومان بما عليهما من جهد جبار لتأمين كل شبر فى أرض مصر، والقضاء على عناصر الإرهاب والمحفزين عليه، والداعمين له بالمال والدعاية السوداء. والمطلوب هو دعم تلك المؤسسات وتفهم حجم الصعوبات التى يخوضون فيها وحجم التضحيات البشرية والمادية التى يقدمونها فداء للوطن.

وإذا كنا نرى أن أصحاب هذه الدعوة من أهلنا فى سيناء قد طالبوا بذلك على أرضية الحفاظ على الوطن ودماء أهل سيناء وبقصد المشاركة فى عمل وطنى ضد إرهابيين أوغاد، سواء كانوا مصريين أو من جنسيات أخرى، فإن تطبيقها سيرسل حتى ولو كان بتنسيق مع أجهزة رسمية إشارة سلبية بكل المعانى والأبعاد حول قدرة المؤسسات الرسمية فى دحر الإرهاب والإرهابيين، وسيؤدى إلى فتنة مجتمعية حقيقية بين أبناء سيناء تستمر لسنوات طويلة، وبما سيؤدى إلى تفتت الوحدة الوطنية فى هذا الجزء العزيز من الوطن، وهذا هو المقصد الحقيقى من الأعمال الإرهابية التى تحدث بين حين وآخر. إن رفضنا لهذه الفكرة نابع من ضرورة ألا نحقق بأيدينا قدرا من الفوضى لم ينجح الإرهابيون فى تحقيقه، فضلا عن أن ثقتنا كبيرة فى مؤسسات الأمن بكل أجهزتها ولن يهزها أى عمل جبان.

إن سرعة تحقيق الهدف الأسمى فى دحر الإرهاب والارهابيين يتحقق فى حال تصاعد منحنى التعاون مع أجهزة جمع المعلومات والتى تُحسن توظيفها فى إجهاض العمليات الإرهابية وبذلك تنقذ أرواح الكثيرين. وفى اعتقادى أن الارهابيين حين نفذوا مذبحة مسجد الروضة تصوروا أنهم بذلك سينشئون جبالا من الخوف والرعب فى قلوب المصريين خاصة أهلنا فى سيناء، ومن ثم سوف يمتنعون عن التعاون بالمعلومات مع الأجهزة الأمنية، لكن الله خيّب رجاءهم وأضل مسعاهم، فقد رسخ أهلنا فى سيناء مواقفهم الوطنية، وهو ما أشار إليه المتحدث العسكرى فى أحد بياناته بأن المعلومات التى قدمها الاهالى ساعدت فى ضرب العديد من البؤر الإرهابية ومخازن الأسلحة.

وإذا كان البعض لأسباب عابرة تردد فى تقديم ما يعرف الى الأجهزة الأمنية، فالوضع الآن لا يحتمل التردد أو الخوف أو التحسب لرد فعل الإرهابيين، فالموت يقدره الله ولا راد لقدره، وليس هناك من يمكنه أن يفرط فى وطنه لظن أنه بذلك قد يمد فى عمره. لقد أثبت الإرهابيون مرة تلو أخرى أنهم بلا ضمير ولا يقيمون وزنا لدين أو إنسانية، ولا يجوز شرعا أو قانونا أن يتعاطف معهم أى وطنى عاقل. وفى تصورى أن شيوخ القبائل السيناوية وعقلاءها وهم كُثر يحظون بكل احترام وتقدير، يمكنهم أن يتخذوا القرارات والمواقف فى إطار العادات الموروثة من قبيل نزع الحماية عن أى شخص يرتبط بجماعة إرهابية أو يتعاطف معها، وهو ما يعرف بـ «التشميس» أو حتى القبض عليه وتسليمه إلى الجهات الرسمية، فمثل هؤلاء جرثومة ووباء، ودواؤها الوحيد هو البتر ولا علاج آخر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف