الوطن
د . سعيد اللاوندى
سلامة موسى.. فى مقعد «اليونيسكو» بجامعة الزقازيق
أحسب أن الغالبية العظمى من الناس لا يعرفون الكاتب المصرى سلامة موسى الذى رحل عن دنيانا عام 1958، بعد أن ترك لنا نحو أربعين كتاباً فى شتى مناحى الحياة: الفكر والأدب والعلوم الحديثة.. وأهم ما تركه هو مشواره العلمى، فلقد باع الأطيان التى كان يملكها عن والده.. وطاف الدنيا، فذهب إلى باريس ولندن.. وأنشأ صحفاً ومطابع، ودرس اتجاهات الفكر فى العالم، وكتب عن نظرية التطور، وأكد أن المرأة ليست لعبة الرجل كما كتب الأدب الشعبى.. وذكر كل ذلك فى كتابه «تربية سلامة موسى»، الذى وصفه نجيب محفوظ بأنه أفضل ما قرأ فى حياته..

أن تتذكره جامعة الزقازيق، وأن يدعو المفكر المصرى د. حسن حماد، أستاذ الفلسفة المعروف ورئيس مقعد اليونيسكو بالجامعة، عدداً من الكتاب والأكاديميين للحديث عن إشكالية النهضة عند هذا المفكر الذى أهمله تاريخ الفكر المعاصر، مع أنه «أيقونة» ضمن أيقونات النهضة العربية التى نسيها الكثيرون مع ما نسوا من أمور حياتية وتنموية كثيرة.

لقد لفتت نظرى كلمة قصيرة، لكنها بليغة للمفكر الدكتور عبدالله عسكر التى كان يستمع إليها الجميع وكأن على رؤوسهم الطير! ثم كلمة للعميد الدكتور عماد مخيمر، وكلمة أخرى لأستاذ الفلسفة المشاغب أحمد عبدالحليم عطية، ورئيس قسم الفلسفة بالكلية الدكتور ظريف حسين، الذى أدار ندواته بنجاح منقطع النظير.

باختصار.. كانت مفاجأة أن تهتم جامعة الزقازيق بهذا المفكر التنويرى الذى لم يعد يقرأ له أحد مع أنه كان يكتب عن المستقبل ويخص الشباب بمعظم كتاباته. ولا أنكر أن الفضل فى ذلك يعود إلى الدكتور حسن حماد الذى حوّل يومى الاحتفال به (14 و15 نوفمبر) إلى عرس ثقافى، شعرت بأن المسيرة العطرة لسلامة موسى تصادفنى فى الشوارع والطرقات! صحيح أن سلامة موسى من أبناء محافظة الشرقية، لكن ابتعاثه من جديد.. والتحدث عن جوانب فكره ومشوار حياته، وأن يأتى أساتذة من جامعات مصر للاحتفاء به، ثم أيضاً أن يشارك باحثون من الجزائر -بلد المليون ونصف المليون شهيد- ومن لبنان.. فهو حدث الأحداث الذى يجب أن نشكر جامعة الزقازيق عليه، وأذكر أن جامعة السوربون فى باريس (جامعتى) كانت من أوائل الجامعات العالمية التى احتفت بسلامة موسى.. فأول رسالة للدكتوراه حضرتها فى حياتى كانت بعنوان: «سلامة موسى وفكرة التفكير».. فالرجل كان مفتوناً بكل ما هو جديد فى الأدب والعلم، حيث كان يود أن ينقل كل ما يراه أو يشاهده إلى مصر، لتنهض وتصبح سواءً بسواء مع جامعات العالم ومراكز أبحاثها، لذلك كانت فكرة التقليد حاكمة بالنسبة لفكره! اللافت للنظر أن قاعة البحث التى دارت فيها أعمال الندوة العالمية انقسمت بعد المحاضرات إلى دوائر يتحدّث فيها أصحابها عن سلامة موسى الذى لم يكن يعرف عنه الطلاب إلا النزر اليسير.

وأقول الحق لقد تعاطف الكثيرون مع سلامة موسى الذى يكاد يكون قد ضاع فى زحام الحياة مع أنه «ملأ الدنيا وشغل الناس» حقبة من الزمن، وكانت حياته كما قال ابنه رؤوف سلامة موسى فى كتابه «سلامة موسى.. أبى»: حافلة بنضاله من أجل العلم والمعرفة!.

ويقول الدكتور حسن حماد إن تراث الرجل يكاد يكون اندثر لأنه ظلم فى عصره ظلماً بيناً، كما ظلم فى العصر الراهن.. لذلك كانت الندوة الدولية عنه كمفكر تنويرى حداثى فى جامعة الزقازيق هى رد اعتبار له وتأكيداً بأن جامعة الزقازيق تتصدى للصعب فى دنيا البحث العلمى، كما تعتبر ترسانة فى وجه دعاة الفرقة والانقسام الذين يرون أن سلامة موسى -باعتباره كاثوليكياً- لا يستحق أن نتذكره.. والحق أن رسالة الجامعة هى الوقوف فى وجه هذا الفكر الظلامى الذى أشار الدكتور ظريف حسين فى كلمته إلى اللغط المثار حول سلامة موسى.. هذا المفكر النهضوى التنويرى الذى رحل عن دنيانا قبل أكثر من ستين عاماً.. لكن منطلقات فكره ودوافع حياته العلمية لا تزال ماثلة بيننا، نحن فى حاجة إلى تذكر واستدعاء مفكرينا من زملاء سلامة موسى أمثال عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، الذين لا نجد غيرهم كعُمد أساسية فى الفكر النهضوى والتنويرى.. علينا أن نحتفى بهؤلاء قبل فوات الأوان، فحياتنا المعاصرة قد أهالت التراب على أمثال هؤلاء بحيث بدا أن ابتعاث سلامة موسى من رقاده الطويل.. وفى جامعة إقليمية هى جامعة الزقازيق، أشبه بأضغاث الأحلام!!

إن حياة هذا الرجل ونضاله المعرفى، نحن فى حاجة إلى معرفة تفاصيله، فالشباب يبحث -هكذا أتصور- عن نماذج تسير فى طريق المعارف وصنعت مجداً.. لذلك فقد أحسن صنعاً مقعد اليونيسكو بجامعة الزقازيق الذى وقف طويلاً أمام سلامة موسى، وأقام احتفالاً تحت إشراف الدكتور خالد عبدالبارى، رئيس جامعة الزقازيق.

وأظن أن مقعد اليونيسكو سوف يطبع الكلمات التى قيلت لتوثيق هذه الاحتفالية، وكى تعم الفائدة للذين لم يسعفهم وقتهم بالحضور ونأمل أن يهتم المفكر الدكتور حسن حماد بهذه الخطوة التى تجعل سلامة موسى حياً بيننا طوال العام.. على أن يكون الاهتمام بهذا الرجل سبباً فى الاحتفاء علمياً بعلماء النهضة جميعاً وقراءة تراثهم!

سلامة موسى.. فى ضمير البحث العلمى، فلقد رحل ابنه «رؤوف» منذ عدة سنوات.. ولقد أحسن الدكتور فوزى فهمى عندما أعاد طباعة بعض كتبه التنويرية مثل كتاب «الثورة عند سلامة موسى» وكتاب «هؤلاء علمونى» وكتاب «رواد حرية الرأى فى التاريخ»..

ونأمل أن تكون هذه الندوة الدولية سبباً آخر لإعادة البحث عن تراث هذا الرجل الموسوعى المحب لمصر وللمصريين وعمل رسائل ماجيستر ودكتوراه لنعرف هذا الرجل التنويرى بشكل جيد والمسئولية تقع هنا على العميد د. عماد مخيمر ود. حسن حماد ود. ظريف حسين. وأخيراً لا نملك سوى أن نرفع القبعة لمقعد اليونيسكو بجامعة الزقازيق أن ذكرنا بهذا المفكر الكبير «سلامة موسى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف