حزن المصريين عميق، فما حدث فى مسجد الروضة بالعريش أصاب الجميع بصدمة مدهشة وضربة موجعة، أدمت القلوب، وجرحت المشاعر، ولخبطت العقول. لم تكن الواقعة هيّنة بحال من الأحوال. فلم يسبق أن استشهد هذا العدد الضخم من المصريين فى حادثة إرهابية. الناس تنظر إلى ما حدث ولا تصدقه، وتخشى كل الخشية أن يتكرر، دون أن يكون لديهم الوقت الذى يسمح لهم بالاستيعاب، بعد حالة السعار التى أصابت الإرهاب، ومَن يقف وراءه.
حزن المصريين ثقيل طويل.. فقد انقلبت الدنيا فى مصر ذات يوم من أيام شهر سبتمبر 2016، تزامن مع وقفة عرفات، حين وقعت جريمة داخل داخل «ميضأة» أحد المساجد بكفر الشيخ أدت إلى مذبحة فى هذا اليوم المقدس، راح ضحيتها 3 قتلى و3 مصابين. وكان سبب الخناقة خلافاً على نظافة مكان الوضوء. تعجب كثيرون من الواقعة وتساءلوا وقتها: كيف استسهل البعض الاشتباك داخل مسجد ويوم «عرفات»؟ وكيف يصل الاشتباك إلى حد القتل والإصابة؟ لم يكن أحد يعلم أن الأيام تخبئ لنا ما هو أبشع وأفظع. ولك أن تتصور مشاعر الناس التى توجّعت من واقعة مات فيها 3 داخل مسجد، وهى تتابع يوم الجمعة الماضى تلك المجزرة التى شهدها مسجد الروضة وراح ضحيتها 305 شهداء و128 مصاباً.
حزن المصريين ثقيل طويل.. لأن ما حدث لأهالينا فى سيناء لم يكن مجرد عمل إرهابى وفقط، بل كان عملاً إجرامياً أيضاً. ومن يتابع شهادات بعض المصابين التى نشرتها الصحف وتداولتها وسائل الإعلام سيرى حجم القسوة التى تعامل بها المجرمون مع المصلين الملتئمين لأداء فرض الله. حكى أحدهم أن طفلاً ظل يستعطف قاتله ويقول له: «بلاش يا عمو» حتى أسكتت توسلاته رصاصة إرهابية إجرامية. طفل آخر حكى أن القتلة كانوا يضحكون وهم يقتلون، وأنهم كانوا يتعاركون بالألفاظ، حين يذهب أحدهم إلى أن رصاصته هى التى قتلت هذه الضحية، فيرد آخر بأن رصاصته كانت القاتلة. ما حكاه شهود العيان يشهد بأن مرتكبى هذه الجريمة بالغوا فى الوحشية، وأنهم لم يكونوا أكثر من مجموعة من الأبالسة التى تهوى الرقص على موائد الدم.
حزن المصريين ثقيل طويل.. فالجريمة البشعة تضعنا أمام عتبة مجهول. فحالة التوحش التى وصل إليها هؤلاء البغاة الطغاة الإرهابيون المجرمون تؤشر إلى أنهم تجاوزوا كل الحدود، وحطّموا كل أسوار الأخلاق، ومات بداخلهم الضمير، لقد فعلوا فعلتهم داخل مسجد فى صلاة جمعة. فماذا يحول بينهم وبين ارتكاب جرائم شبيهة فى مساجد أو أماكن أخرى؟. وليس فى مقدور سلطة أو نظام أن يؤمّن آلاف المساجد. من حق الناس أن تحزن وهى ترى أن هناك مَن جعل دينه فى الحياة قتلاً، ورزقه فى الدنيا إراقة الدم. حزن المصريين مبرر وهم الشعب الذى عاش مسالماً وذاب عشقاً فى الحياة، وكره الدماء ولم يتربَّ على حفلات الدم، حين يرون نفراً يفترض فيهم أنهم مصريون -ولو حتى بالميلاد- يريقون الدماء، أو يتواطأون مع آخرين على إراقته، أو يرحبون بإراقته.. من الطبيعى أن يكون الحزن هذه المرة ثقيلاً طويلاً.