- الإنسان الكامل perfect man فكرة إيرانية قديمة تمثل نزوعاً نحو العدالة بالمخلص المنتظر «ساويشنت»، أو «قرا»، أو «بهرام»، أو «سروش»، وترجع إليها الفكرة اليهودية عن البشير أو المسيح، وربما كان الأقدم «بروصا» فى البذهشن الهندية، ويترجمه العرب «جيومرث » أو «كيومرث» فى المزدكية، ومعناه الإنسان الأول وهو «آدم قدمون» فى الكتب اليهودية، و«الأنثروبوس» أو النموذج الأول للإنسانية وأصلها، وهو فى الهرمسية «الطباع التام »، ويتصل بآدم العهد القديم، ثم المسيح الذى تجددت فيه فكرة الإنسان الأول الذى أتى من الطهارة، وهو عبد يهوا، أو الإنسان الكامل فى السامية المرتبط بفكرة العادل المبتلى بالآلام، وهو فى الغنوص الإسلامى النبى الصادق الذى يظهر فى كل زمان، حتى النبى محمد خاتم الأنبياء، وكان مانى يحسب نفسه خاتم الأنبياء السبعة، وهو عند الشيعة الإمام الممتلئ بالحكمة التى رمزها النور، وهو فى الفلسفة اليونانية القديمة اللوغوس والنوس «العقل أو الكلمة»، وكان لكتاب «أثولوجية أرسطوطاليس»، الذى تُرجم على أساس ترجمة سريانية لأجزاء نسبت إلى أرسطو، أكبر الأثر فى تطوير فكرة الإنسان الكامل لدى الفلاسفة المسلمين.
- والأساس فى نموذج الإنسان الكامل فى الفلسفة الإسلامية هو: أن يكون «عاقلاً» ونقيض العقل «الهوى»، فماذا يميز أحكام العقل من أحكام الهوى؟، يميزها أن الحكم من النوع الأول هو فى كل حالة معينة واحد لا يتعدد بتعدد الأشخاص، أو بتعدد النزوات عند الشخص الواحد، على حين أن الحكم من النوع الثانى يقبل التعدد بكلتا الصورتين، فالإنسان الكامل هو: من يكون مقيداً بعقله إزاء الأشخاص والأشياء والمواقف، وإذا كان الاحتكام إلى العقل هو أحد وجهى العملة بالنسبة للكمال، فلابد أن يكون الوجه الآخر هو فى قمع الهوى وردعه يقول أبوبكر محمد بن زكريا الرازى فى كتابه الطب الروحى: فلئن كان الإنسان بعقله مدركاً للأمور إدراكاً صحيحاً، فهو بقمعه لهواه صاحب إرادة، والعقل من جهة والإرادة من جهة أخرى، جانبان متلازمان: أحدهما له النظر والآخر له التنفيذ، وليس الأمر بالهين اليسير إلا على من تناول إرادته بالتدريب المتصل الدءوب، وذلك لأن ما سوف يقاومه الإنسان بإرادته تلك، إنما هو طبع مغروس فى جبلته، فانظر كم هو عسير على الكائن الحى أن يسير ضد طبيعته، فلعل هذه أن تكون هى «الأمانة» التى عرضت على الجبال، فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان، وعند فلاسفة اليونان الأقدمين يقاس كمال الشىء بأدائه للفعل الذى من أجله وعلى هذا الأساس يكون كمال الإنسان مرهوناً بجوهره، وجوهره هو العقل، وابن مسكويه فى كتابه «تهذيب الأخلاق»: النفس الإنسانية يردها، أى النفس، إلى قوى ثلاث: (ففيها الشهوة إلى إشباع حاجات البدن، وفيها الغضب الذى يستثار دفاعاً عن النفس، وفيها العقل، ولكل من هذه القوى فضيلته ورذيلته، فالفضيلة فى الاشتهاء هى العفة وضدها هو الشره، والفضيلة فى الغضب هى الشجاعة، وضدها هو الجبن، والفضيلة فى العقل هى الحكمة وضدها هو الجهل، وإذا اجتمعت هذه الفضائل الثلاث كان من اجتماعها فضيلة رابعة هى العدل، على أن القوى الثلاث التى ذكرناها، ليست كلها على درجة واحدة، بل فيها ما هو أعلى وما هو أدنى والعقل أعلاها، وهو الذى من شأنه أن يلجم الغضب وأن يحد من الشهوة، ليقف كل منهما عند الدرجة التى ترضاها الحكمة، فهو الذى ينظم الرغبة والانفعال، دون أن تطمس رغبة أو أن يُطفأ انفعال، كأنه هو القائد فى مركبة يجرها جوادان ليضمن للعربة اعتدال السير).
- وإن حكمة العقل لا تكتمل إلا بالعمل، فالفلاسفة لم يتصوروا قط أن يقتصر الإنسان على حكمة العقل دون أن يمدها إلى فعل يؤديه بناء عليها، فلا يكون العلم علماً إلا إذا أعقبه العمل على أساسه، يقول ابن مسكويه: (إن ما يختص به الإنسان من حيث هو إنسان، وبه تتم إنسانيته وفضائله هو الأمور الإرادية)، ويحدد الخير بأنه: «فعل» ما قصد به من وجود الإنسان، ويحدد الشر بأنه ما يعوق ذلك الفعل، وبناء على هذه القاعدة لا يكون الخير أبداً فيمن «يتأمل» وهو ساكن، بل لا يكون الخير أبداً فيمن يملأ رأسه بثقافات الأولين والآخرين، ثم لا فعل بعد ذلك يؤديه على ضوء ما قد عرف.