أبو الفتوح قلقيلة
موقعة الطرحة.. وموقعة بئر العبد!
(الشقيقة الوسطى: ولد.. أنت مصاحب البنت سارة؟
الشقيق الأصغر: آه.. فيها إيه يعنى!
طيب والبنت الغلبانة ال أنت كنت مصاحبها (حلا).. ذنبها إيه! -
صديقة العائلة جارتهم (المحجبة) مضطجعة بجواره بكل بساطة: ولد!.. أنت مصاحب قبل منا أصاحب، يا نهار أسود.. أنت حسستنى بالمصيبة ال أنا فيها!
الولد (رجل البيت): طيب ما هو أنت فعلا يا بنتى في مأساة.. إزاى لغاية دلوقتى ما صاحبتيش!
الشقيقة الوسطى: وله.. أنت تروح للبنت الغلبانة دى وتتكلم معاها!)
هذا نص الحوار الذي سمعته تقريبا في أحد المسلسلات المذاعة حاليًا، والذي يعرض يوميًا على إحدى القنوات المصرية، يقول مخرج العمل إنه يتناول إعادة تأكيد ترسيخ قيم الجيران! بالقطع من يستمع لهذا الحوار يستطيع بكل يسر أن يدرك القيم النبيلة التي يدعو لها المسلسل، فها هو يدعو للشفقة بالفتيات الغلابة اللاتى يحتجن لعلاقات (مراهقة) وانحلال لذيذ كيوت محمود هو شفاء لهن، وربما كان شرعيا من وجهة نظره، فالفتاة التي تنصح شقيقها بالاستمرار في علاقات محرمة وغير مقبولة اجتماعيا وشرعيا وفقا لقيم المجتمع المصرى، تغلف كلامها دوما بكلمة (حرام)، والصديقة التي تتحسر على حالها أنها لم تستطع إيقاع شاب في علاقة معها (محجبة) أو ترتدى ما يسمى (الطرحة) والتي سيكون لنا معها وقفة أخرى في سياق نفس المقال!
أما الشاب الصغير أو الأخ الذكر، فهو حقًا يتمتع بصفات الذكورة، لكن صفات الرجولة والنخوة عنده منعدمة لصالح صفات الدياثة وانعدام الحياء المزدهرة أكثر وأكثر، (الرجل) يُشعر صديقة العائلة بفداحة موقفها وتخلفها عن ركب الحداثة والتقدم لأنها لم تصاحب ولم تدخل في علاقة محرمة وفقًا لتخلفنا نحن حتى الآن!
هذا هو الإعلام الذي يُقدم لنا وسط ظروف مصرية بالغة الصعوبة والتعقيد، فالجمعة الماضي غلب اللون الأسود على الحياة في مصر، ليس بسبب المزحة والخدعة الرأسمالية المنحطة والمسماة "البلاك فراي داى" أو جمعة التخفيضات، ولكن بسبب قيام أحقر أهل الأرض باغتيال الركع السجود في مسجد الروضة في قرية بئر العبد في سيناء الغالية.. شاهدنا جميعًا الحزن جاثمًا فوق صدور كل المصريين دون استثناء، وبدلا من تقديم رسالة إعلامية هادفة تزيد من ترابط المجتمع، إذا بنا نجد هذا القبح وتلك الدناءة التي تُصدر لكل بيت مصري.. ولا تعليق على هذا الحوار القميء أكثر من ذلك، فالمسلسل يعج بالسموم التي يسقيها للمراهقات كل مساء ترويجًا لفكرة الأم بدون زواج والفتيات المستقلات عن أسرهن، هذا يكفى جدا جدا وكل عمل ينضح بما فيه!
موقعة الطرحة!
وعلى صعيد آخر ليس ببعيد عن هذا السياق، كانت صفحة أحد الكتاب على مواقع التواصل الإجتماعى تتراقص فرحا هي وصاحبها وروادها بسبب بسيط جدا.. وهو أنه في انتخابات النادي (الراقى) في إحدى ضواحى القاهرة، كانت النساء تقريبا كلهن بدون غطاء للرأس.. الله أكبر.. أخيرا خلعن الطرحة.. مصر خلعت الطرحة التي كانت سببا في بلاء وتخلف وتراجع مصر وفقا لسيادته، وهو الأديب الأريب والكاتب العظيم الذي لم يخرج لنا إبداعا سوى في فن محاربة (خرقة) أو إيشارب أو طرحة أو سمها كما تشاء.. هذه الخرقة تفسد عليه حياته التي كرسها لهذا الغرض التقدمى الحداثى الكبير والنبيل والشريف كما يسمي نفسه!
فقط تلحظ أن هذا الكاتب الكبير سنًا، ربما تجاوز السبعين، كان يحتفل ويسعد مع أصحابه (التقدميين) المتحضرين في نفس اليوم الذي كانت فيه مصر تنتحب.. كان ناديه المرفه أعضاؤه ينتخبون والمصريون ينتحبون! تناسى هو وباقى الشلة المختارة التي تصدع رءوسنا بحديثها عن الوطنية في الفضائيات المختلفة، أن الحزن تسلل لكل من له قلب أو بالبلدي عنده دم من المصريين.
الجميع كانوا مكلومين عداه هو وصديقاته وأصدقاؤه، قد تقول إن ذلك على صفحة شخصية أو حتى عامة في موقع افتراضى، لكن من المؤكد أن هذه الصفحات لم تعد عالمًا افتراضيًا بل هي عالم كاشف لأخلاقيات وأيديولوجيات ورؤى مختلفة من أقصى اليمين لأقصى اليسار بدون وجود للوسطية الأخلاقية أو حتى الإنسانية، فضلا عن انتشار بعض الصفحات في أكثر من صحيفة عريقة لكنها تعج بالتطرف من الجميع، من كلاب أهل النار قتلة الأبرياء ومن قتلة الأخلاق ومهدري القيم في مجتمع يحتاج لترابط سريع لا يصلح معه أمثال هؤلاء المتهافتون.