جمال سلطان
لكي نعرف قيمة حياة المصري في وطنه !
تقارن عظمة الدول ومدى تحضرها بالنموذج الذي تقدمه للإنسان ، وكرامة الإنسان ، وحرمة الإنسان ، وقدسية الحق في الحياة ، لذلك تحرص الدول "المحترمة" والعظيمة على أدق التفاصيل في توفير الأمن والأمان وجودة الحياة لمواطنيها ، وهذا معيار لا يتخلف أبدا في المقارنات بين العالم الأول والعوالم الثالثة والرابعة والعاشرة ، في مستويات الإنسانية .
الخط الجديد لمترو أنفاق القاهرة ، وهو الواصل من ميدان العتبة وسط البلد إلى المطار ، مرورا بمناطق مدينة نصر ومصر الجديدة ، والذي تم تشغيل نصفه تقريبا حاليا انتهاء بمحطة الأهرام في روكسي ، تتخلله محطة اسمها "أرض المعارض" ، وتقع أمام أرض المعارض المعروفة على طريق صلاح سالم السريع الواصل من العباسية إلى مطار القاهرة ، وهي التي تحتضن عادة معرض القاهرة الدولي للكتاب وغيره من الفعاليات الجماهيرية الكبيرة ، وكان التخطيط الهندسي لتلك المحطة يجعل لها مخرجين من جهة عمارات العبور ، أحدهما للطريق الرئيسي والآخر للطريق الجانبي وهو طريق سريع أيضا ، المخرج على الطريق الرئيسي لكي يسمح للركاب بالوصول إلى أي مواصلة أخرى بعد النزول ، والمخرج الثاني هو الأساس لمن أراد أن يدخل إلى المحطة أو يخرج باتجاه عمارات العبور ومناطق الخليفة المأمون ، وتم العمل بهذا التخطيط عدة سنوات . .
لسبب غير مفهوم أو غير معلن ، قامت هيئة مترو الأنفاق بإغلاق المخرج الرئيسي لمحطة مترو "أرض المعارض" أسفل كوبري الفنجري ، منذ عدة أشهر ، وأصبح إجباريا على من يريد أن يستخدم المترو أو يصل إلى المحطة أن يعبر الطريق السريع من أجل الوصول إلى المدخل الآخر الذي يتوسط الطريق ، وكذلك من يخرج من المترو ويريد الوصول إلى مسكنه أو مكان عمله أو مقصده في عمارات العبور أو مناطق الخليفة المأمون ، ولك أن تتصور سرعة السيارات في هذا الطريق المفتوح والخطير ، ولك أن تتخيل آلاف المواطنين وهم يخوضون هذه المغامرة الخطيرة يوميا ، سواء في ذهابهم إلى محطة المترو أو مغادرتهم لها ، بدون أي معايير حماية أو تأمين أو أمان على الإطلاق ، كل واحد وشطارته .
هذا الذي يحدث يمثل أسوأ استهتار بحياة البشر ، رخيصة جدا حياة المواطن ، ليس فقط في أن أي شخص سيعبر الطريق اضطرارا للوصول إلى المحطة سيكون معرضا للموت تحت عجلات السيارات المندفعة أو الإصابة التي تورثه عاهة مستديمة ، بل أيضا تسبب هذا الاستهتار بحياة المواطنين في حرمان آلاف المواطنين من أصحاب الاحتياجات الخاصة من الحق في استخدام المترو ، لأنه لا يمكنه العبور بأي حال من الأحوال ، وإن اضطر أحدهم إلى حمل قريبه أو صاحبه فسيكون كلاهما معرضا لخطر الموت المحدق .
في البلاد "المحترمة" يتم تأمين كل صغيرة وكبيرة للمواطن عند استخدامه لمحطات مترو الأنفاق ، وحماية أمن المواطن وسلامته لها أولوية قصوى في تلك البلاد "المحترمة" ، كما أن أصحاب الاحتياجات الخاصة لهم حقوق مقدسة في تسهيل دخولهم أو خروجهم من المحطات ، سواء باستخدام زلاجات للحركة أو استخدام "أسانسير" خاص بهم ، ولا يلقون بهم هكذا على قارعة الطريق ويقولون لهم "انتم وشطارتكم ، مين يغامر ؟" .
أتمنى من أي مسئول رفيع أو سميك ، أن يمر مرورا عابرا على تلك المنطقة ، ويرى بنفسه هذا الاستهتار البالغ بحياة البشر والاستهانة بأبسط حقوق المواطن ، حقه في الأمان ، حقه في الحياة ، كما أني أحمل الحكومة بكاملها ، وهيئة مترو الأنفاق ، كامل المسئولية عن أي إصابة تلحق بأي مواطن من جراء هذا الإهمال الجسيم والخطير ، فضلا عن وفاة أحدهم ـ لا سمح الله ـ تحت عجلات السيارات المسرعة في الطريق .