عبر ما يزيد على أربعة عقود، لعبت الشرطة دوراً محورياً فى قمع المصريين وتخويفهم من الخروج على السلطة أو النظام الحاكم، وبعد فترة زمنية ليست بالقصيرة دأب فيها هذا الجهاز على مطاردة السياسيين المارقين عن طاعة النظام (فترة الستينات)، وجدناه خلال السبعينات يوسع دائرة عمله لتشمل الأهالى العاديين، كجزء من سياسة تجفيف منابع التمرد أو جيوب النقمة التى يمكن أن تنشأ بين هذا القطاع أو ذاك من القطاعات الشعبية. كان «تخويف» الناس من خلال المبالغة فى قمع من يقع منهم فى «قبضة الشرطة» هو الأداة التى اعتمد عليها نظام «مبارك» فى إخضاع المصريين طيلة ثلاثة عقود، ولكى يدعم «المخلوع» دور الشرطة أكثر وأكثر فى قمع المواطنين جعل هذا الجهاز قيّماً على العديد من مؤسسات الدولة، بدءاً من الجامعات، وانتهاء بأعتى الأجهزة. ومثلما هو الحال الآن كانت الشرطة أواخر عهد «مبارك» تبذل جهوداً مضنية فى مكافحة الإرهاب، وكان يسقط منها شهداء، لكن الجهد لم يكن منصرفاً إلى الدفاع عن المواطن قدر الدفاع عن السلطة الحاكمة التى توجه الإرهاب بالأساس إليها.
قامت ثورة يناير، وكان واحداً من أهم أسبابها عدم الرضاء الشعبى عن «القمع الشرطى»، وكانت المواجهة الأكبر والأهم التى خاضها الشعب خلال أحداث الثورة هى المواجهة مع الشرطة فى 28 يناير، ذلك اليوم المشهود الذى انتهى بانسحاب شرطة «المحروسة» من الشوارع والميادين مهزومة أمام الشعب. وعندما نزلت قوات الجيش إلى محافظات مصر قابلها المصريون بالترحاب، لأنهم لم يتعودوا على أى نوع من الأذى من جانب هذه المؤسسة. اختفت الشرطة من الشوارع كمحاولة تأديبية للشعب، وبدأ يتردد من جانب بعضهم كلام صريح ملخصه: «طالما مش عاجبكم الأداء احموا نفسيكم». توارت الشرطة من الشارع، لكن الجهاز الأمنى كان يواصل العمل فى سرية ويجمع المعلومات عن كل شاردة وواردة تتعلق بالحكم، والدليل على ذلك المكالمات إياها التى تم تسريبها لبرامج تليفزيونية!
ومع الزخم المرتبط بموجة الثورة فى 30 يونيو، بدأت العلاقة بين الشرطة والشعب تتحسن، حين شعر المواطن أن الشرطة لا تعمل لحساب السلطة الحاكمة، لكنه لم يدرك ساعتها أن المسألة لا تعدو «التكتيك»، وأن مفهوم العلاقة بين الشرطة والشعب ثابت لم يتغير، وأن الهدنة بين الطرفين كانت مؤقتة فقط بوجود الإخوان على سدة الحكم. أدرك المواطن هذا الأمر جيداً بعد 30 يونيو، حين وجد الشرطة تعود إلى العديد من ممارساتها القديمة فى الشارع وفى الأقسام وفى السجون وداخل مؤسسات الدولة التى رجع رجال الشرطة إلى التحكم فيها من جديد. وشأن العديد من الأجهزة الغافلة عن الحقائق الجديدة التى أوجدتها ثورة يناير على الأرض، أرادت وزارة الداخلية أن تعود إلى سابق شعار «الشرطة والشعب فى خدمة الوطن»، على أساس أن الوطن بالطبع هو النظام الذى يحكم! وقد أدى ذلك إلى أن تسبب إحراج بالغ للرئيس، بدأ منذ اليوم الأول لتوليه السلطة، حين تم التحرش بسيدة التحرير التى اعتذر لها «السيسى»، وتواصل حتى واقعة «الجزمة» التى ضرب بها ضابط «فارسكور» أحد المحامين، الأمر الذى اضطر الرئيس إلى الاعتذار من جديد للمحامين كى يسكّن غضبهم. جميل أن يعتذر الرئيس.. لكن الاعتذار بلا تغيير مايوكلش عيش!