على صفحات التواصل الاجتماعى، وفى المحاورات الخاصة، وفى بعض التجمعات السياسية والثقافية المعزولة، تسمع نغمة انفصال البعض عن السياق المجتمعى العام، الذى أدان العمليات الإرهابية الأخيرة، وتوحدت إرادته على ضرورة القضاء المبرم على كل من يقف خلفها!.. أبواق بعض الأفراد والجماعات السياسية ضيقة الأفق، والمتعاطفين مع جماعات الإسلام السياسى وأعوانهم، الظاهرين والمتخفين- تروج للوقوف على مبعدة من الحرب المصيرية الدائرة على تراب الوطن.
البعض لخلافات أو لخصومة مع النظام، مبررة أو غير مبررة، والآخر لأغراض حاقدة لا تخفى على لبيب، بدعوى «الحيادية»، و«الموضوعية»، و«النزاهة»، و«حقوق الإنسان»، أو لغيرها من الذرائع، وهم فى الحقيقة يدعون إلى مساندة القتلة، ودعم جرائمهم البشعة، لأن الامتناع عن رفض وإدانة الإرهاب، والتنصل من مسئولية مكافحته، والوقوف موقف المشاهد المنفصل، تحت أى مبرر أو ادعاء- لا يقل جريمة عن الفعل الإرهابى ذاته!.
بل إن الانفصال الشعورى حتى، عن التعاطف الوجدانى العميق مع ضحايا جرائم الإرهاب الخسيسة، هو فى حد ذاته خيانة، ليس للوطن وناسه وحسب، وإنما للإنسانية جمعاء، ولعلنا نذكر، فى هذا السياق، مقولة «بريخت»: «يأتى وقتٌ يوشك فيه أن يكون الحديث عن الأزهار خيانة، حينما تشتعل الحرائق فى الغابات»!، والتى تعنى أن الانعزال عن القضايا الحاسمة التى تكاد تلتهم البشر وحيواتهم، والركون إلى موقف السلبية والترقب، تحت أى مبرر، هو خيانة حقيقية للإنسانية، وماذا تكون الخيانة إذن، إن لم تكن، حينما ترى من ينحر أباك وأمك، وأخاك وطفلك، وأنت- تحت أى ذريعة- تهرب من مسئولية المواجهة!؟.
غير أن إدانة هذا المسلك الهروبى المتعاطف مع القتل والتخريب، حتى إن امتنع عن الجهر بذلك، وتملص من اتخاذ موقف صريح وقاطع الدلالة فى هذا الشأن، بدواعٍ كاذبة، لا يجب أن تعفينا نحن، جيشًا وشعبًا، من الإصرار على استمرار ما هو واقع، من التزام حربنا القائمة، الحازمة الجازمة، ضد الإرهاب، بكل قواعد الحرب الشريفة النبيلة، لا لضعفٍ أو تخاذل، وإنما لأننا نحارب دفاعًا عن القيم الرفيعة لوطننا وإنسانيتنا، التى هى جزء رئيسى من مقومات هويتنا المصرية الحضارية التليدة، ولأننا نضرب المثل على كل ما هو نقيض لما يمثله الإرهاب من انحطاطٍ وتدنٍ، وما يجسده الحقد الأعمى من همجيةٍ وبشاعة.
لكن هذا الأمر شىء، والتباطؤ القاتل فى المسار القضائى الراهن، الذى لم نر له حسمًا لجريمة، أو نشعر بأنه ردع مجرمًا، أو اقتص من قاتلٍ- شىء آخر، فالمطلوب عدالة ناجزة، تحسم أمر المجرمين فى السجون، حتى يدفعوا ثمن جرائمهم الدموية، ولكى يرتدع الهاربون منهم، حين يشعرون أن مصيرهم القصاص العادل، إن وقعوا فى قبضة العدالة، وهم لا بد واقعون!.
ومن ناحية أخرى، ومع كل الاعتبار للنية الحسنة التى تقف خلف هذه الدعوة، فإن الحديث المتكرر عن تسليح قبائل سيناء والدفع بهم نحو المشاركة فى قتال الجماعات الإرهابية، ولو من مدخل الانتقام من قاتلى الأبناء ومخربى الديار- أمرٌ جلل، لا ينبغى الانزلاق إليه مطلقًا، لأنه من جهة يبدو كنوع من الإعلان عن عجز الدولة عن ضمانة أمن بلادها، وكفالة مصير مواطنيها، ومن جهة ثانية يفتح أبواب جهنم فى المستقبل، حين ينتشر السلاح «الشرعى هذه المرة» فى الأيادى، وتتعدد الجهات المسيطرة على النيران، ويعود من الأصعب السيطرة عليها، ومن جهةٍ ثالثةٍ فهو يُقَوِّضُ سلطان الدولة الأمنى، والمرتكز على وجوب انفرادها بامتلاك القوة المسلحة، لا ينازعها فى هذه السلطة، مهما كانت المسوغات، آخرون!.