صفوت البياض
إدانة الآخرين وتوقيع الجزاء
التاريخ حافل بصراع الإنسان مع أخيه الإنسان، وكانت أول حادثة قتل فيها الأخ أخاه هى التى وردت فى أول أسفار العهد القديم «التوراة» حين قتل قابيل هابيل، فهى الجريمة الأولى فى تاريخ سفك الدماء، وتوالت الأحداث لأسباب معينة منها حيازة الأرض أو التنازع على الغنائم.
ومنذ أيام، والمسلمون يقومون بالصلاة فى مسجد الروضة «صلاة الجمعة» قتل غالبية المصلين وأصيب البعض منهم، حيث يعالجون بمستشفيات مدينة الإسماعيلية.
وقيل إن المصلين ينتمون إلى العقيدة الصوفية والذين يتعرضون مكررًا لهجمات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، ورغم أن التنظيم لم يعلن مسئوليته عن الحادث، إلا أن هناك شبهات تشير إليهم، مشيرين إلى أنه سبق لهذا التنظيم الجهادى أن قام بخطف قائد صوفى، وبعد اتهامه بممارسة أعمال السحر قطعوا رأسه.
والذين يشيرون إلى هذا التنظيم يستندون لنشرته الإخبارية الأسبوعية بمقابلة مع قائد قوة شرطة الأخلاق «كما يسمونهم»، قال وقتها «إن أولويتهم الأولى هى مكافحة مظاهر الشرك بما فى ذلك التصوف». لذلك تشير بعض الجهات إلى الظروف المتشابهة لحادث العريش، ولكن لا يمكن تحديد الاتهام لفئة بذاتها، لا سيما أن التنظيم لم يعلن حتى كتابة هذا المقال أنه من قام بهذه العملية التى راح فيها المئات بين قتيل وجريح، وبين القتلى أطفال لم يحددوا انتماءهم العقائدى بطبيعة أعمارهم، ولا شك أن الأيام القادمة سوف تبين الحقائق. لكن الهدف من هذا المقال ليس لتوجيه اتهام بقدر الفعل الآثم بقتل رجال وأطفال وهم يتعبدون فى يوم عبادتهم وهم عزل لم يتوقعوا أن يهاجموا فى داخل دار عبادة فى يوم عبادتهم لله، ومن جانب آخر، ينسب إليهم كجماعة متصوفة، أى أنهم زاهدون فى الدنيا، فلا تغريهم مباهج الحياة، فهم زاهدون فى الدنيا ويركزون على تحقيق حالة من الصفاء ساعين إلى رضوان الله فى حياتهم، كما أنهم لا تشغلهم السياسة كثيرًا، فكل سعيهم هو الحصول على رضوان الله.
وبالافتراض بصحة كل ما قيل عنهم، فليس من بين ما يشاع عنهم أى اتجاه لكراهية غيرهم أو العدوان على آمنين قريبين أو بعيدين، وها هم فى مسجدهم يتعبدون ولم نسمع أو نقرأ أن من بين المصلين من حمل سلاحًا، أو طلب من جهة شرطية أن تؤمن مسجدهم أثناء عبادتهم. ولا شك أن هذا الفريق من أبناء سيناء تربطهم علاقات متشعبة بسائر المواطنين فى دائرتهم وخارجها شأنهم كشأن المصريين عامة. كما لم نسمع أنهم فريق مغلق على نفسه لا يتصاهرون مع سائر المواطنين من أقرانهم.. وعلى افتراض أن لديهم بعض الأفكار والمعانى التى لا تؤذى غيرهم، ولا تخرج على القوانين المرعية التى تسرى فى حق جميع المصريين وغير المصريين المقيمين على أرض هذا الوطن.
وفى تعليق على هذا الحادث الأليم يقول شيخ مشايخ الطرق الصوفية وعضو بمجلس النواب «القضية ليست فى استهداف مسجد صوفى، ولكنها استهداف للمصريين بالكامل، وما يحدث لأبناء القوات المسلحة يحدث لأبناء الداخلية وأهل التصوف، ويحدث أيضًا لإخوتهم المسيحيين»، فالمستهدف هو مصر بكل فئاتها.
ومع كل التقدير والعرفان لدور الشرطة والجيش وما يتحملونه من مشقة، بل الموت دفاعًا عن الوطن وكل المواطنين، فإنى أضم صوتى مع كل المخلصين الذين يقدرون دور القيادة وأجهزتنا الأمنية، إلا أنى أضيف ما ليس بجديد أو خافٍ على كل المصريين، بل العالم كله الذى أصبح بمثابة قرية صغيرة لا تستطيع أن تخفى سرًا يقع فى ركن من أركانها. أما ما يجب النظر إليه بإمعان وروية هو أنظمتنا التعليمية، ومناهجنا العلمية، وأساليبنا التربوية، ومنابرنا الوعظية، وكل جناح من هذه الأجنحة التى يفترض فيها حسن الاختيار وغربلة ما يفيض منها من أفكار لا تشجع على التآخى والتحابى والترابط الذى يقوى عزائمنا وينقى أفكارنا من كل شائبة تُسىء إلى مواطنين أو زائرين.
لقد حان الوقت لمراجعة المناهج التى يحض بعضها على الكراهية للمغايرين ديانةً أو عقيدةً أو ثقافة، ليعود الوطن إلى وحدته، والتعليم إلى رسالته، والمنابر إلى الهداية والحب والإخاء مهما تعددنا من أفكار أو انتماء، فليس لفريق الفضل على الآخر إلا بالتقوى وحب الوطن، والإخلاص فى العمل، ورفع شأن هذا الوطن، وعودة مصر إلى دعوتها لكل روادها أن «أدخلوها آمنين».