خالد عكاشة
أسئلة طريق .. بتوقيت سيناء
أمام حادث إرهابي بحجم الهجوم على مسجد قرية الروضة، يلزمنا التوقف بالعديد من الأسئلة بحثا عن اجابات وتفسيرات حقيقية، تعيننا على الأقل في المضي قدما نحو هزيمة هذا الخطر المعقد. فالحادث بقدر ما هو صادم لوقوعه في مسجد أثناء صلاة الجمعة، هو قبلا شديد الوطأه بالنظر إلى ما خلفه من ضحايا (310 وفاة، 120 إصابة)،ليضعه مباشرةفي موقع متقدم للغاية على قائمة الاعتداءات الإرهابية العالمية.
إذا كانت أصابع الاتهام تشير لبصمة "أنصار بيت المقدس"، التنظيم الداعشي العامل على أرض سيناء منذ العام 2013م. فنحن بهذا الحادث أمام ضربة داخل سياق ممتد؛ أو بمعنى أدق حلقة من سلسلة ممتدة طرأ عليها كافة التقلبات من توغل، وانحسار، ومعاودة، واستعادة للقدرات، وتنويع مرن للأهداف. هذا من ناحية العمل المسلح للتنظيم، وفي المقابل منه أمام جهد أمني واستخباراتي يحارب هذا الإرهاب ويكافح امتداداته. وعلى كلا الجانبين يستلزم طرح العشرات من الأسئلة بغرض صياغة وقفة تقييم، من دونها ـ على أرض سيناء ـ تحديدا يظل المشهد معبأ بغبار خانق، لن يكون حاجب للرؤية فقط بل سيمتد ليضلل مسارات الحركة. ومن غير الملاءم أو المتصور أن تكون تلك الوقفات والأسئلة محلها شاشات الإعلام، أو تحقيقات الصحف، لكن جهات عديدة بالدولة وفق الاطار المؤسسي يمكنها فعل ذلك دون ابطاء، فهناك مجلس الدفاع الوطني ولجنة الدفاع والأمن الوطني بالبرلمان وانتهاء بالمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف. كافة تلك الكيانات تضم مجموعة مؤهلة ومعنية بطرح الأسئلة والوقوف على اجاباتها، كي يمكن صياغة رؤية متطورة لمسار مكافحة الإرهاب في سيناء يقوم عليها المنفذين على الأرض.
الذي يجعل تلك الكيانات مطلوب منها الدخول على خط المواجهة بأداء فعال، أن كلا الجانبين المشار إليهما سابقا، يدخلان فصلا جديدا عبر انتاج الإرهاب المسلح أو مقاومته. وبالإشارة إلى بعض أسئلة هذا الفصل؛ نجدنا أمام تساؤلات التطور الذي أصبح لديه الإرادة والقدرة على حصد على هذا العدد من الأرواح، فهل وصل إلى التنظيم دعما بشريا أو مدخلا جديدا بأي صورة مكنته من احداث تلك النقلة النوعية، وعن هذا الوصول أي من طرق الإمداد لازالت قادرة على صناعة هذا الضخ المتجدد، في شرايين تنظيم تحطمت إمكانياته بضربات عسكرية مؤثرة في أكثر من فصل زمني سابق. وبالنظر لتلك النقلة هل يمكن اعتبارها "طلاق بائن" ما بين التنظيم وبين حواضنه الشعبية، وهذا يضعنا في مفترق طرق استخباراتية تتعلق بالمعلومات والتقديرات، لما مضى من تلك العلاقة ما بين التنظيم وقبائل سيناء وأهلها، وربما في هذا تتكون اجابة حاسمة عن قدرة التنظيم على الحياة "4 سنوات"، وما هو المتوقع في شكل العلاقة المستقبلي في ظل فاتورة الدم الفادحة التي تكبدتها قرية الروضة.
قرية الروضة ينتمي سكانها جميعا لـ"قبيلة السواركة"، وهذا يعيدنا إلى أن سؤال القبائل لابد حضورة وباستفاضة في حال رغبتنا الوصول إلى تقييم محكم، فهناك العديد من المسارات والمحطات التي يجب تفكيكها بدقة، تتعلق أولا بوضع مقياس واقعي لحجم المصالح المشتركة، ما بين بعض من أبناء تلك القبائل وبين التنظيم. وهل ستكون تلك المصالح التي هدمت قبلا "من شهور" أعلانا قبليا باستنفار مجتمعي لمحاربة الإرهاب، بقادرة هذه المرة "أيضا" على استيعاب فاتورة الدم الباهظة وسيعود ما بينهما إلى ما كان عليه الوضع سابقا. وتستمد تلك الحزمة أهميتها لارتباطها بوضع "شديد الخطورة"، تمثل في ظهور ما سمي في المرة الأولى (اتحاد قبائل سيناء)، ويطل بوجهه وبياناته هذه المرة أيضا، وليس هناك ضير بالمرة للعمل المجتمعي أو للصوت المحلي في المعادلة. لكن ما يوصف بالخطورة أنه يستتبعه رغبة ودعوات حثيثة لحمل السلاح ومشاركة قوات انفاذ القانون، في ملاحقة العناصر الارهابية، وهو نمط فشل بجدارة في فصله الأول ولم ينتج سوى صراعات جانبية، شوشت على المشهد برمته، ان لم يكن قد أضر ضررا عميقا بعلاقات السلطة مع المكون القبلي المتنوع و"المتنازع". وهذا مسار يحتاج إلى تقييم وتدقيق في تفاصيله المعقدة، فالاجابات المتعجله والوعود الخادعة تفتح المستقبل على مساحات لا قبل للأرض الهشة بها، فقد كان هناك قبلا من خرج كـ"متحدث إعلامي" لهذا الاتحاد القبلي، واليوم هناك من يسارع باعداد قوائم ابتزاز ومساومة ستكون حاضرة في مواجهة "أجهزة الدولة" وسيادتها وقرارها.
بنفس قدر أهمية أسئلة قبائل وأهالي سيناء؛ نرى أن هناك مجموعة أخرى من التصورات يجب أن تخضع للحسم خاصة في هذه المحطة الزمنية، لأنها ربما طالت بالقدر الذي جعلها كالظل الغائم في مشهد يلزمه أصفى درجة للرؤية. فعلى خلفية حادث إرهابي وقع في مايو 2015م استهداف اعضاء "نيابة العريش"، صدر قرار بنقل "محكمة شمال سيناء" وأعضاء النيابة العامة إلى الإسماعيلية لمباشرة عملهم من هناك. وهي دلالة رمزية طالت زمنيا يلزمها تصور عن اطار زمني، يكافح "صناعة الفوضى" بصرامة وحماية "سيادة القانون"، فعنوان الدولة هو السلاح الحاسم من دون التذرع بالمخاطر أو بقدرات تأمين تلك السيادة، فلكلاهما يبذل كافة أشكال الجهد والتكلفة التي تضمن تحقيق تلك الرمزية.
ليس المستهدف من تلك السطور أن نتلقى اجابات معلنة عن تلك التساؤلات، وهناك غيرها أكثر دقة وتفصيلا في مشهد معبأ بالكثير، لكن المنتظر الواقعي وما تفرضه اللحظة أن يكون المسار بأكثر وضوحا مما هو عليه اليوم. فليس هناك مؤشر بأصدق من التعاطي مع "الحالة المعنوية" لأهالي شمال سيناء، ومن يعملون فيها من خارجها "وهم قلة"، كلاهما يلفهما قدر واسع من الاحباط وعدم اليقين في المستقبل الذي يراوح مكانه أمام أعينهم. وإن كان الإرهاب يستهدف هذا الشعور القاتل ويعمل على تمديده بكل السبل، فهنا نكون بالفعل أمام مواجهة ومهمة ثقيلة لا تقبل القسمة، فهناك دوما رقما صحيحا واحدا في المعادلة هو الوطن.