الأهرام
علا مصطفى عامر
نصف الشعب متسولا!
ليس الجوع والعطش ولا الحر والإجهاد ولا اختناق المرور وشدة الزحام، ولا حتى طول الوقوف فى المطبخ لإعداد مالذ وطاب من أصناف الطعام، هو ما يشوه الحياة فى شهر رمضان.
وإنما يشوهها ــ برأيى ــ جحافل من المتسولين والمتسولات يظهرون فجأة وينتشرون بقوة فى كل مكان، تجدهم فى أى شارع جانبى أو حارة ضيقة ناهيك طبعا عن تكتلهم بأى ميدان، شخصيا أشعر أن الكثير منهم لايستحق أى شفقة أو إحسان، كما أشعر أنهم مدربون باحترافية عالية على النزول لجمع الزكوات والصدقات التى يفيض بها الصائمون فى رمضان.
أتيح لى قدرا أكثر من مرة رصد تحركات البعض منهم كأفواج وعائلات، فالأم توزع أطفالها فى إشارات المرور وعلى أرصفة المحلات، بينما تقف هى بعيدا ترقب الموقف وتتابع استدرار الأطفال لعطف المارة، وذلك فى الوقت الذى "تقلب" فيه رزقها هى أيضا وتمارس مهامها فى التسول والإستجداء، ويبدو أن هذا قانون من قوانين التسول الذكية التى ابتدعتها العقول المصرية، فكل فرد مهما كان صغيرا يجب أن يعمل حتى تزيد الغلة ويكثر العائد، ليكفيهم طوال العام ــ كما سمعت من أحدهم: ده موسم مابيتكررش فى السنة مرتين !!
وعلى ذلك فأظن أن البعض يتوقف عن عمله أو حرفته طوال الشهر الكريم ليقف مادا يديه بالشوارع والميادين.. الآن كلنا نعلم بهذه المشكلة وبالطبع الدولة وأجهزتها تعلم ولكن يبدو أنها تتجاهل الموقف من باب عدم التضييق على هذه الفئات التى يمكن أن تنفجر من العوز والاحتياج، أو من باب الإنشغال بما هو أهم من قضية متسول يطرق باب السيارة بالحاح أو متسولة تزغد سيدة فى كتفها باصرار، أو طابور من الملتفين بجلاليب بيضاء لتوحى بأنهم خارجين من المستشفى توا وفى أيديهم قسطرة البول وروشتة الدواء، إذا كان هذا لا يعنى الدولة فإنه يعنينى أنا شخصيا لأننى أشعر بالألم عندما أجد وكأن نصف الشعب المصرى يمد يديه فى رمضان، مع العلم بأن هناك آلاف أو ملايين ــ لا أعلم ــ يجلسون فى بيوتهم ونظنهم (أغنياء من التعفف) وربما ينطلق مدفع الافطار وليس أمام أسرة كاملة سوى بضع أرغفة أو طبق طبيخ بايت بدون لحم ــ على أحسن الأحوال ــ جاد به أحد الجيران،كما أشعر بالألم من مشهد الكناسين البسطاء الذين يتركون "مقشاتهم" ويتفرغون لإلقاء التحية على أصحاب السيارات... القضية ليست شكل إجتماعى وليس الحل الذى أقصده أن تحشد الدولة هؤلاء فى السجون بتهمة التسول، ولكنى أريد حلولا جذرية وعملية، ورصد فعلى لحالات المستحقين، يصح أن يشارك فيه الأزهر الشريف الذى لم يحقق بعد دوره المأمول فى حل مشكلة المحتاجين،
السنوات تمر والظاهرة تتوحش وتزداد وطابور المادين أيديهم يملأ الشوارع والأزقة والطرقات، فهل سنتركهم طويلا يقرعون زجاج السيارة، فإما أن يلقى أحدهم إليهم بوجبة ساخنة أو عدة جنيهات، أو يطلب منهم ــ بكل اشمئزاز ــ الإبتعاد !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف