د . جمال المنشاوى
قنبلة أحمد شفيق المدوية.. تثير الفزع في مصر؟!
أعلن أحمد شفيق آخر رئيس وزراء مصري في عهد مبارك, ووزير الطيران وقائد السلاح الجوي المصري, والمرشح الرئاسي ضد مرسي عن نيته الترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة في مصر ضد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في رسالة متلفزة لوكالة رويتر وقناة الجزيرة, أعلن فيها أيضاً أن الإمارات منعته من السفر إلي باريس لإجراء حوار مع وكالة رويتر للأنباء, وللقاء بعض الجاليات المصرية في أوربا كبداية لحملته الإنتخابية !؟
الخبر إلى هنا يحمل الكثير من الدلالات والاستنتاجات والتحليلات التي سيكون لها أبلغ أاأثر في مجري الحياة السياسية المصرية التي تتسم بالرتابة والخمول بعد أن تم تدجينها وتهميشها وإضعافها بل وقتلها بواسطة السلطة الحالية التي تريد فرض سياسة الرأي والصوت الواحد.
أحمد شفيق يمثل رقماً صعباً وفاعلاً مؤثرا بل قد يكون حاسماً في الانتخابات الرئاسية القادمة للأسباب التالية :
أحمد شفيق ابن المؤسسة العسكرية فقد كان قائداً لسلاح الطيران المصري بما له من قيمة في الحياة العسكرية وبما يمثله من انضباط ولياقة وقدرة علي اتخاذ القرار.
أحمد شفيق تدرج بعد خروجه من سلاح الطيران في أعمال مدنية ,فعُين رئيساً لشركة مصر للطيران وهي هيئة مدنية وبإدارات مختلفة بما يعطي له قدرة علي التعامل مع المجتمع المدني بأساليبه المختلفة عن المجتمع العسكري المرتبط بالأمر والنهي وإصدار الأوامر وتنفيذها، ثم وزيراً للطيران، ثم تولي منصب رئيس الوزراء في فترة شديدة الصعوبة بعد انطلاق ثورة 25 يناير وتصدره لمواجهة شباب الثورة ومفكريها.. والذي دخل معهم في حوارات وملاسنات خسر بعضها لكنه أظهر قدرة علي تحمل النقد وامتصاص الغضب ومحاولة تقبل الرأي الآخر وكان أشهرها محاورته مع الكاتب الروائي علاء الأسواني.
أحمد شفيق ترشح للإنتخابات الرئاسية وكان قاب قوسين أو أدني من الفوز بها وخسر بنسبة ضئيلة جداُ لا تتعدي ال 1.8% فارق بينه وبين محمد مرسي الفائز بتلك الانتخابات.. وهذا في حد ذاته يبين أن له أرضية جماهيرية وشعبية كبيرة وسط الشعب تعادل نصف أصوات الناخبين تقريباً.
لا تستطيع القوي المؤثرة في الانتخابات أن تشوه صورة أحمد شفيق باتهامات من عينة أنه إخواني أو ثورجي أو يتلقى تمويلاً أجنبياً أو يسربوا له مكالمات أو اتصالات لأنه ابن المؤسسة العسكرية ومن أتباع مبارك وضد الإخوان وكان مقيماً بالإمارات الداعم الرسمي والأول للنظام الحالي ..أي هو مثلهم جميعاً.
يمثل ترشح شفيق للرئاسة مأزق حقيقي للسيسي الذي كان يعتبر ضامناً للمكسب لو اقتصر الأمر علي ترشح خالد علي أو غيره حيث يسهل تشويه صورهم وتكبيلهم بأحكام قضائية أو الانحياز ضدهم من أجهزة الدولة أو الجهات المعنية بتسيير الانتخابات.. لكنهم لا يستطيعوا فعل ذلك مع شفيق.. فكلهم من نفس المركب واتهامهم له بالضرورة ستنعكس عليهم تلك الاتهامات.
يلعب الوضع الاقتصادي الآن دوراً مهماً وأساسياً وفاعلاً في تقبل الناس لأي مرشح.. فمعارضوا السيسي يقولون أنه أفقر الناس بقراراته المتسرعة مثل جمع مدخرات المصريين 63 مليار جنيه لحفر تفريعة القناة ولما ظهر فشلها قال إنها كانت لرفع معنويات المصريين؟!, وكذلك قرار تعويم الجنيه في وقت لا يتوفر فيه احتياطي نقدي مناسب من العملات الصعبة نتيجة ضرب السياحة وقلة مردود وإيرادات قناة السويس ومحاولات بعض القوي جمع العملات الصعبة من المصريين بالخارج دون تحويلها بالطريق الرسمي مما كشف الوضع الاقتصادي وبدلاً من تعويم الجنيه وصل الأمر إلي إغراقه وقتله مما دفع البنك الدولي صاحب اقتراح التعويم إلي التبرؤ من هذه النتيجة وإعلانه أنه لم يكن يتوقع هذا الهبوط الضخم للجنيه المصري, وقد أدي هذا الوضع إلي ارتفاع رهيب في الأسعار خاصة بعد سياسة رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع سعر البنزين، مما أدي إلي حالة غير مسبوقة من الضغط الاقتصادي علي الأسر المصرية التي أصبحت تعاني، وسقطت الطبقة المتوسطة وهي الكتلة الحرجة والأغلبية في المجتمع إلي خط الفقر مما يزيد من الغليان المكبوت وبحث الناس عن أي مخرجٍ من هذا الوضع ومحاولة التغيير, وهو وتر حساس وخطير يمكن أن يوظفه شفيق في دعايته الإنتخابية ليأتي بنتائج صادمة تماماً لمؤيدي السيسي.
سيقف الإخوان وأتباعهم مع عدوهم السابق شفيق نكاية في السيسي لأن بنظرهم أي شخص سيكون بالنسبة لهم أفضل من السيسي عدوهم اللدود والذي يكنون له كل الكراهية لإسقاطه حكمهم, وهم عامل مؤثر وإن كان غير معلن لأسباب أمنية لما يتميزون من خبرة وتنظيم وطاعة وتكتيك انتخابي اكتسبوه من سنوات طويلة من الممارسة ومن العجيب أن هذا قد يكون موجه لصالح شفيق ؟!
إنقلاب شفيق علي الإمارات يمثل نقلة دراماتيكية وقطعاً لأواصر الصداقة والمصالح واعتراف ضمني أن تأييد الإمارات للسيسي بلا حساب وأن شفيق لن يكون ورقتها القادمة ولذا ألقي شفيق بقنبلته وإتهم الإمارات أنها تمنعه من السفر وهو موقف محرج للإمارات خاصة أن الإعلان عنه جاء عبر قناة الجزيرة القطرية العدو اللدود للإمارات.
أعتقد أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من التطورات والمفاجآت,وستكون حُبلي بالأحداث المثيرة المدوية ,لكن من الآن لو سارت الأمور كما هي الآن فقد أصبح عرش السيسي مهدداً تهديداً فعلياً وحقيقياً , ومن واحدٍ من نفس جلدته وبني قومه.
دكتور جمال المنشاوي
كاتب مصري