المصريون
جمال سلطان
القنبلة التي فجرها الفريق أحمد شفيق
ما حدث ليلة أمس هو انفجار سياسي أربك الحياة السياسية في مصر وفاجأ الجميع وشغل الرأي العام كما شغل الإعلام المصري بكامله ، وذلك بإعلان الفريق أحمد شفيق رسميا نيته الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة منافسا للسيسي ، وهو الأمر الذي جعل الجميع يضربون أخماسا في أسداس في كل اتجاه ، داخل مصر وخارجها ، عن الدوافع والضمانات والحوافز والخفايا والنوايا وأسئلة كثيرة مفتوحة بلا إجابات حتى الآن .
الفريق أحمد شفيق ليس مرشحا عاديا ، وليس من النوع الذي يشارك في انتخابات على سبيل "المنظرة" والاستعراض ، ولا هو من المستوى الذي "يخدم" على مرشح أساسي لإعطاء شكل ديمقراطي للانتخابات ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فالفريق شفيق الطيار المقاتل بتاريخه المعروف ليس من النوع الذي تأسره العاطفة ويخضع للانفعالات اللحظية أو العابرة ، فنتصور أنها لحظة حماسة انتابته فقرر بعد صمت خمس سنوات أن يتكلم بعفوية تامة وأن يخوض الانتخابات وأن يتحدى كل هذه الظروف الصعبة وأن يقول للجميع : ها أنا ذا ، ومن هنا كان تعامل الجميع مع الخبر بجدية بالغة واهتمام يليق به .
كان الانطباع السائد ـ وما زال ـ أن إقدام الفريق شفيق على الترشح للرئاسة لن يكون إلا بضوء أخضر من مراجع خليجية رفيعة ومؤثرة في الشأن المصري ، وتحديدا ، لا يمكن أن يعلن ترشحه بدون موافقة علنية أو ضمنية من الإمارات ، لذلك كانت المفاجأة الأخرى المصاحبة لإعلان ترشحه انتقاده للإمارات بأنها قررت منعه من السفر بما يعني الاحتجاز أو تحديد الإقامة ، وقال أنه لا يقبل ذلك الأمر ولا يفهمه ولا يتفهمه ، مما استدعى أن يخرج وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش لكي يعلن أن "شفيق" حر في حركته ويمكنه أن يسافر خارج البلاد وقتما يشاء ، مع وصلة هجاء لا تليق استخدم فيها أبياتا من الشعر فيها إهانة واضحة للفريق شفيق ، فهل فعلا الإمارات معترضة على ترشحه أو أنها تعوق ذلك ؟ ، أم أن الواقعة برمتها هي قنابل دخان لإبعاد الحرج عن الإمارات ، كل ذلك أسئلة بلا إجابة ، وربما تكشف الأحداث المقبلة وتطوراتها عن الإجابة .
أيضا ، الفريق شفيق أعلن ترشحه من خلال شريط فيديو أرسله إلى وكالة "رويترز" ، ثم أعلن شكواه من منعه من السفر في شريط فيديو آخر وصل إلى قناة الجزيرة القطرية والتي سارعت ببثه فبدا أنه انفراد لها أو أنه أرسل إليها خصيصا ، وهو ما نفاه شفيق بعد ذلك ، وأعتقد أنه صادق في نفيه ، لكن في المحصلة أن الجزيرة نشرت شكواه من الإمارات التي يقيم على أرضها وتحميه وتدعمه ، وبين قطر والإمارات ما صنع الحداد كما نعلم ، فهل يصل الأمر إلى هذا الحد ، أم أن أحدا أراد إحراجه فسلم نسخته للجزيرة ، أو أن الجزيرة حصلت عليه بطريقة ما وعجلت ببثه باعتباره يضرب في جارتها اللدود ، كل تلك أيضا أسئلة بلا إجابة .
الإعلام المصري الرسمي والخاص الخاضع لتوجيه الأجهزة ركز بالإجماع على حكاية ظهور شفيق على قناة الجزيرة ، وتجاهل حتى شكواه ـ كقائد عسكري مصري سابق ـ من احتجازه في الإمارات ، وهو أمر غريب جدا وغير أخلاقي ، وكان واضحا أن مدير الحملة الإعلامية طلب التركيز على هذه النقطة تحديدا ، فتكلم الجميع عنها وبصيغة شبه متطابقة ، مع محاولات أولية لتشويه الفريق شفيق والطعن في شرعية ترشحه أو تمثيله للشعب المصري ونحو ذلك من كلام ، غير أن الانطباع الذي يخرج به من تابع تلك الحملة أن مستوى القلق من خطوة شفيق كان كبيرا ، وأن هناك ارتباكا حقيقيا لدى دوائر عليا من توابع تلك الخطوة ، ومن خلفياتها أيضا ، والحسابات التي بنى عليها شفيق إعلانه ، لأن هذه الحسابات تعني الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيا قبل أي كلام عن الانتخابات نفسها .
أيضا ، إعلان الفريق شفيق عودته إلى مصر لمباشرة حملته الانتخابية خلال أيام ، أثار زوبعة تساؤلات أخرى ، عن الضمانات الشخصية التي حصل عليها سواء من داخل مصر أو من خارجها ، فشفيق خرج من مصر قبل خمسة أعوام تقريبا بداعي الخوف على حياته وحريته بعد خسارته الانتخابات أمام الدكتور محمد مرسي ، ولكن الإخوان رحلوا ورحل محمد مرسي ، ومع ذلك لم يرجع شفيق ، بما فهم منه أن "الخوف" ما زال قائما وأن أسبابه ما زالت قائمة ، وأن هناك أجواء غير طيبة بينه وبين القادة الجدد في مصر ، ولم يتغير شيء معروف حتى الآن ، فلماذا قرر العودة فجأة ، من أعطاه الضمان بأن ما يخاف منه قد انتهى ، وأنه سيكون آمنا وحر الحركة فضلا عن أن يكون قادرا على خوض الانتخابات وإدارة حملة انتخابية كبيرة سيكون فيها صدام حتمي ومفهوم مع المرشح المنافس ، وهو السيسي .
الألغاز في "قنبلة" الفريق شفيق التي انفجرت في الفضاء السياسي أمس أكثر من المعلومات ، والشكوك أكثر من الحقائق ، والخلفيات المخفيات أكثر من المعلن ، غير أن المؤكد أن تحولا مهما في الحياة السياسية المصرية قد بدأ بالفعل ، وأن الأسابيع والأشهر المقبلة لن تكون في رخاوة واسترخاء ما سبقها ، والمستقبل القريب مفتوح على المجهول والمفاجئ .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف