الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري - المثقفون بين الوطن والدين
بعض المثقفين في مصر عجيب أمرهم.. لا يرون إلا ما يعتقدون.. ولا يُعد مصرياً مجاهداً ومكافحاً في الوطن إلا هم.. وكأن الشعب كله لم يبلغ سن الرشد.. إلا إذا رأي ما يرونه من أفكار.
قديماً وحديثاً نصبوا من أنفسهم أوصياء علي عقول الناس.. فهم أصحاب الرأي الرشيد.. ينسبون كل خطيئة لغيرهم.. واعتنقوا أفكاراً ظنوها صحيحة وحقيقة.
قديما كتب صحفي شهير أن اليسار هو الذي فجر ثورة عرابي.. وثورة 1919 وثورة يوليو ..1952 وأضاف: لولا اليسار لظل الاستعمار جاثماً علي قلوب المصريين سنوات طوالاً.. غافلين أن الشعب المصري عن بكرة أبيه هو الذي تصدي للخديو توفيق خلف الزعيم أحمد عرابي فخر العسكرية المصرية.. وقف خلف الضابط عرابي يؤيده ويؤازره.. ويدعم طلباته في تحجيم دور الشراكسة في معاملاتهم مع الضباط والجنود المصريين والاحتفاظ بأقدمية الضابط المصري أمام الضابط الشركسي الذي اتصف بالصلف والغرور.
والمصريون جميعاً فلاحين وعمال ومشايخ وأعيان هم الذين تصدوا للانجليز مع عرابي في شمال البلاد وشرقها.. ولولا خيانة يوسف خنفس لانتصر عرابي علي الانجليز في موقعة التل الكبير.
في ثورة 1919 ثار الشعب كله بجميع طوائفه.. عماله ومثقفيه وفلاحيه.. أغنيائه وفقراؤه.. ثار ضد الاستبداد.. واستطاعوا إصدار دستور 1923 وتثبيت الديمقراطية وتكوين الأحزاب باتجاهاتها.. بعض هؤلاء المثقفين عاش منادياً بالارتماء في أحضان الدول التي كانت تدين بالفكر الشيوعي.. والترويج للسير في فلكها.
عاد أحدهم من رحلة قضاها بالاتحاد السوفيتي السابق سنة 1968 أي بعد النكسة.. وفي اهتمام الصحافة بعودته لم يجد وسيلة للنصر بعد الهزيمة سوي أن يدعو إلي فتح معاهد لدراسة لغة الاتحاد السوفيتي وآدابها وخصائصها أسوة بدراسة اللغة الانجليزية والفرنسية وآدابهما.. واعتبر دراسة اللغات السلافية ركناً مهماً وأصيلاً لتحقيق النصر في معركة المصير مع إسرائيل وتحرير شبه جزيرة سيناء!!
هل يصدق عقل مصري أن انتصارنا علي العدو وتحرير الأرض والثأر لشهدائنا مرهون بتعلم اللغة السلافية ودراسة الأدب الروسي.. عجيب فعلاً أمر هؤلاء!
حديثاً -حين انتهت الشيوعية في العالم وتفكك الاتحاد السوفيتي- لم يجد هؤلاء المثقفون عدواً يرمونه بقذائفهم الثأرية إلا التحدث في بعض المسائل التي تتعلق بالدين والتراث.. زاعمين أنه سبب التخلف عن الركب الحضاري.. متوهمين أن تقدم الأمة لن يكون إلا بالثورة علي القواعد الدينية.. دون النظر إلي ما إذا كانت من الثوابت أو من الفروع التي أتي بها الاجتهاد.. ذلك ناتج عن أنهم لم يقرأوا عن الإسلام غير ما كتبه أعداؤه في الشرق والغرب.. متخذين منهج هؤلاء طريقاً لهم مستمدين الباطل بقولهم: إن الدين الذي نزل لسكان صحراء شبه الجزيرة العربية لا يمكن أن يكون صالحاً لمناطق لا صلة لها بالصحراء والتجمعات القبلية وركوب الجمال والعيش في الخيام!!
أقوال بها من الغرور والجهل ما لا يتناسب مع حقيقة الإسلام الذي أنزله الله للبشر جميعاً دون إكراه لأحد في اعتناقه.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. وكانت وثيقة المدينة المنورة التي اتخذها سيدنا رسول الله دستوراً يعمل به في العلاقة بين المسلمين وغيرهم من ذوي الأديان السماوية الأخري خير دليل علي أن هذا الدين لم يأت لإذلال البشر أو جبرهم علي الإيمان به.. إنما بالدعوة وحدها وبالحكمة والموعظة الحسنة.
وكانت قضية المرأة هي الصخرة التي يلقيها دائماً أصحاب الاتجاهات المتمردة علي الدين في المياه الإسلامية بغرض تعكيرها والتقليل من عظمته في نظام الحياة الاجتماعية.. وسبق أن تناولنا حديث المرأة في الإسلام.. مبينين مكانتها العظيمة ورفعتها في ظل الإسلام.. إلا أن بعض مدعي الثقافة لا يملون ولا يكلون عن إثارة أفكار تلبست في عقولهم عن الوطن والدين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف