الدستور
د. محمد عفيفى
الخوارج.. من حب الموت إلى حب الحياة
يرى معظم المتخصصين فى التاريخ الإسلامى أن مسألة الخلافة كانت هى المحور الأساسى للخلاف الأول بين المسلمين، وعلى هذا الخلاف تشكلت أهم الفرق الإسلامية، على رأسها الخوارج والشيعة والمرجئة وغيرها.
وما يستلفت النظر هو الربط بين الإطار الفكرى لجماعة الخوارج قديمًا والكثير من الجماعات الإرهابية الحالية، لا سيما تمحور الجميع حول مسألة الخلافة.. فمن هم الخوارج؟.
ترتبط نشأة الخوارج بتلك الفتنة الكبرى التى دبت فى صفوف المسلمين مع تولى علىّ بن أبى طالب الخلافة، إذ لم يعترف بخلافته البعض وعلى رأسهم طلحة والزبير ومعاوية، واتهم هؤلاء «عليًا» بالتهاون فى شأن دم الخليفة عثمان بن عفان وعدم محاربته قاتليه.
وتصاعد الأمر إلى أن وصل إلى الصدام العسكرى بين الإمام على ومعاوية بن أبى سفيان فى معركة «صفين»، حيث أدرك معاوية أن مصيره الهزيمة فأمر أتباعه برفع المصاحف على أسنة الرماح وطالبوا بالتحكيم، واضطر «على» إلى قبول التحكيم حقنًا للدماء، لكن هذا الأمر أدى إلى حدوث الانقسام الكبير فى صفوف جيش «على»، إذ خرج عليه البعض رافضين قبوله التحكيم، وحجتهم فى ذلك كيف يقبل «على» التحكيم وهو على الحق؟، وأن فى ذلك عدم طاعة لله الذى يأمر بالحق.. ورفع هؤلاء شعار رفض تحكيم البشر، وأنه «لا حكم إلا لله»، وأصبح هذا الشعار هو دستور جماعة الخوارج، وهو ما يذكرنا بمبدأ «الحاكمية» لدى بعض جماعات الإسلام السياسى الآن، وإن اختلف التطبيق وفقًا لعامل الزمان.
ووصل الأمر بالخوارج إلى قولهم بصحة خلافة «على» لكنهم أخذوا عليه قبوله بالتحكيم، وبناءً عليه حكموا بـ«كفره»، وتكفير كل من اشترك فى عملية التحكيم. ووضع الخوارج فقهًا خاصًا بهم تميَّز بالتشدد وسهولة التكفير، إذ ذهبوا إلى أن من اعتقد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولم يعمل بفروض الدين وارتكب كبيرة من الكبائر فهو كافر، بل ذهب بعضهم إلى إمكانية عدم وجود الخلافة طالما أن «لا حكم إلا لله»، وهو ما وصفه الإمام على بأن الحاكمية «كلمة حق يُراد بها باطل».
ووصل التشدد ببعض فرق الخوارج، مثل «الأزارقة»، إلى تكفير جميع المسلمين ما عداهم، أى أنهم فقط «الفرقة الناجية»، وألا يُصلّوا مع غيرهم، ولا يأكلوا ذبائحهم، وأنهم كفار لا يقبل منهم -جموع المسلمين- إلا الإسلام أو السيف، ودارهم دار حرب ويحِّل قتل أطفالهم ونسائهم.
ويُحكى عن الخوارج تشددهم فى العبادة والانهماك فيها، حتى عُرِف عنهم أنه «كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقًا إليها، وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه».
الجدير بالملاحظة أنه كما انتهى أمر المغول فى التاريخ، من ريحٍ عاصفة جلبت الموت والخراب أينما حلت، إلى أمة «المغول» التى دخلت الإسلام وأنتجت حضارة هى واحدة من أهم حضارات الهند «حضارة المسلمين فى الهند» - سينتهى أمر الخوارج إلى إنتاج أحد أهم صنوف الأدب العربى، وهو الذى عُرف بأدب الخوارج، شعرًا ونثرًا، وإلى المذهب الفقهى الإباضى، هذا المذهب الذى يسود بين أهل عُمان الآن، وبعض أهالى المغرب العربى.
هكذا يخبرنا التاريخ، أن البقاء لحب الحياة والزوال لحب الموت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف