دعاء خليفة
كرِّموا مديرة مدرسة يحيى الأدغم
إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك وسائل ثلاث: «اهدم الأسرة، اهدم التعليم، أسقط القدوات».. لكى تهدم اﻷسرة عليك بتغييب دور اﻷم، اجعلها تخجل من وصفها بـ«ربة منزل»، ولكى تهدم التعليم عليك بالمعلم، لا تجعل له أهمية فى المجتمع وقلل من مكانته وهيبته حتى يحتقره طلابه، ولكى تسقط القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم، شكك فيهم، قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدى بهم أحد.
المقولة السابقة وما قاله «جوزيف جوبلز»، وزير إعلام «هتلر»: «أعطنى إعلامًا بلا ضمير أعطك شعبًا بلا وعى»، تدور فى خلدى ليل نهار وأنا أرى ما يحدث على الساحة الإعلامية من أمور أقل ما توصف به أنها «هرتلة» وانفلات إعلامى رهيب واتهامات توجه للجميع أمواتًا وأحياءً، ودعوات مستمرة للفتنة والانقسام موجهة لنا يوميًا عبر الإعلام بكل أشكاله.
الأخطر أن الكارثة تقع على البسطاء من أبناء هذا الشعب، لأنهم يستقون معلوماتهم من الإعلام أو مواقع التواصل ويصدقون كل ما يقال أو يكتب، ولا يدركون أن هناك إعلامًا مدفوع الأجر يتلاعب برءوسنا كيفما يشاء ليهدم قيمنا ومبادئنا. هناك من يتعمد تزييف الحقائق ليشوه رموزنا، وأصبح البعض يصرخ بأعلى صوته كذبًا وكأنه الصادق الوحيد فى المجتمع على مرأى ومسمع من الجميع، وكل ما يهم هو الخبطة الإعلامية وزيادة الإعلانات.
والأخطر، يا سادة، أيضًا، هو ما حدث فى الدقهلية من المحافظ ومن وكيل وزارة التربية والتعليم فى واقعة مدرسة «يحيى الأدغم الإعدادية» فى قرية «كوم النور» بمركز «ميت غمر»، حيث قدم الطلاب عرضًا مسرحيًا كنموذج محاكاة لـ«حادث الروضة»، والذى كان يهدف إلى نبذ العنف وتعريف الطلاب بحقيقة ما حدث من جماعة «داعش» الإرهابية وهجومهم على بيت من بيوت الله وقتل المصلين.
لكن بعض جهلاء «إعلام بير السلم» ضخّموا الأمر، واتهموا مديرة المدرسة وبعض المدرسين بالتشجيع على العنف دون أن يكلفوا أنفسهم مشاهدة العرض أو معرفة الغرض منه وهل يحرّض فعلًا أم يحذّر ويبصّر شباب الغد مما حدث!.
فجأة أصبح أصحاب دكاكين الإعلام والصحافة أطباء نفسيين يفهمون فى الآثار النفسية المترتبة على هذا العرض، وكأن المجزرة حدثت سرًا.
والأغرب الذى أضع مئات من علامات الاستفهام والتعجب أمامه، هو موقف التنفيذيين بمحافظة الدقهلية، وسرعة إيقاف المديرة واستبعادها بدلًا من تكريمها دون التحقيق معها، لمجرد أن أمر العرض المسرحى لم يعجب أصحاب بعض الإعلاميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعى.
إلى هذا الحد أصبحت «السوشيال ميديا» تؤثر فى قرارات المسئولين؟.. وأتساءل: «من سيعيد إلى مديرة المدرسة السيدة إيمان السمرى اعتبارها عندما يفهم المسئولون أنهم تسرعوا وانقادوا وراء بعض الجهلاء؟».
أيها السادة: المسئول الذى يأخذ قراراته بناءً على رأى بعض أصحاب الأقلام الملوثة أو من مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يع بعد أن مصر فى حالة حرب ــ لا يصلح أن يكون فى موقع القيادة، بل هو عقبة فى طريق بناء دولة المؤسسات التى نحلم بها، وضعيف يرضخ للابتزاز الرخيص من قلة مأجورة.