الدستور
كمال الهلباوى
الرسول المُعلِّم
يهلّ علينا شهر ربيع الأول من كل عام، ليذكرنا بأهم حدث وقع فى العالم منذ أكثر من ١٤٥٠ سنة هجرية. نحن اليوم فى سنة ١٤٣٩ هجرية، وقبلها بحوالى ٥٤ سنة، ولد النبى الأكرم صلى الله عليه وسلم. كان مولده على أكثر الأقوال يوم الإثنين لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، عام الفيل، أى عام ٥٧٠م أو ٥٧١ ميلادية على أكثر الأقوال. وهذا المقال رغم أنه قديم، إلا أنه يناسب الفترة الزمنية التى نمر بها وذكرى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.. عاش صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنة (٦٣) سنة، منها ثلاث وخمسون بمكة المكرمة، وعشر سنوات بالمدينة المنورة حيث توفى صلى الله عليه وسلم فيها يوم الإثنين سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة.
وقد تزوج صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة زوجة، هن أمهات المؤمنين. ولكل من أمهات المؤمنين قصة وتاريخ عظيم. وخصوصًا فى الحياة الاجتماعية فى بيت النبوة.
كان نموذجًا فى كل شىء حتى فى الأدعية والأذكار التى أوصى بها صلى الله عليه وسلم، ومنها أدعية تقال فى أوقات محددة، ومنها ما يقال عند النوم وهى كثيرة ومفيدة جدًا، ومنها ما يشفى بإذن الله تبارك وتعالى.
بعد هذه المقدمة البسيطة أقول للقراء الكرام كل عام وأنتم جميعًا بخير، وأعاده الله علينا بالخير والبركة والتقدم والازدهار والسلم والسلام. تحتفل شعوب الأمة الإسلامية ومعهم آخرون من غير المسلمين بمولد النبى الأكرم صلى الله عليه وسلم. لأن مولده كان بشرى عظيمة للعالم كله «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» وليس فقط للمسلمين. يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله تعالى فى كتابه القيم «فقه السيرة»: «كانت الشائعات قد فاضت بين أهل الكتاب الأولين أن نبيًّا قد اقترب ظهوره، ولهذه الشائعات ما يبرّرها، فإن عهد الناس بالرسل أن يتتابعوا فلا تطول فترة الانقطاع بين أحدهم والآخر، وكثيرًا ما تعاصر المرسلون فجمعتهم أقطار واحدة أو متجاورة، ولكن الأمر تغيّر بعد عيسى عليه السّلام، فكادت المائة السادسة تتم بعد بعثته، ولما يأت نبى جديد.
فلما اكتظّت الأرض بالمفاسد والضلالات زاد التطلّع إلى مقدم هذا المصلح المرتقب، وكان هناك رجال ممن ينكرون الجهالة السائدة يستشرفون للمنصب الجليل، ويتمنّون لو اختيروا له؛ منهم: (أمية بن أبى الصلت)، الذى حفل شعره بالتحدّث عن الله، وما يجب له من محامد، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:
«كاد أمية أن يسلم». وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبى الصلت شىء؟» قلت: نعم؟ قال: «هيه»، فأنشدته بيتًا، فقال: «هيه»، حتى أنشدته مائة بيت.
غير أن القدر الأعلى تجاوز أولئك المتطلّعين من شعراء وناثرين، وألقى بالأمانة الكبرى على رجل لم يتطلّع إليها ولم يفكر فيها. يقول القرآن فى هذا: «وَما كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكافِرِينَ» [القصص].
إن الاصطفاء للرسالات العظيمة ليس بالأمل فيها، ولكن بالطاقة عليها.. وكم فى الحياة من طامحين لا يملكون إلا الجرأة على الأمل، وكم من راسخين يطويهم الصّمت، حتى إذا كلّفوا أتوا بالعجب العجاب. هذه بعض الكلمات التى كتبها الشيخ الغزالى فى فقه السيرة. فماذا تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما الفوائد الجمّة التى يتعلمها كل من يقرأ السيرة الكريمة لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟.. يقول الدارسون للسيرة النبوية جميعًا، إنها غذاء للقلوب، وبهجة للنفوس، وسعادة وقرة عين، ويعتبرها المسلمون جزءًا من دين الله سبحانه وتعالى.
يقول القرآن الكريم فى هذا «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا». ويقول الله تعالى على لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».. كانت حياته وبعثته صلى الله عليه وسلم، حياة بذل وعطاء مستمر وصبر بل مصابرة واجتهاد ومثابرة. حقق تمام التحقيق مقام العبودية والنبوة سويًا. ومن الفوائد الجليلة لدراسة السيرة النبوية، تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». إن سيرة النبى عليه الصلاة والسلام وهديه القويم تعد ميزانًا توزن فى ضوئه الأعمال. يقول سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل». ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها - عن خُلقه عليه الصلاة والسلام قالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ». وقد قال الله تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ». وأيضًا، فمن خلال دراسة السيرة يكون فى ذلك عون للمسلم على فهم كتاب الله عز وجل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه. وما أجمل تلك الآية الكريمة فى سورة الأحزاب التى تعدد بعض أهم وظائف الرسالة «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا». هل فكر كل منا أيها القراء أن يكون سراجًا منيرًا ولو فى جانب من جوانب الحياة أو التخصص؟.. وبالله التوفيق.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف