جمال سلطان
لماذا غضب الإخوان من إعلان ترشح شفيق ؟
أنا أفهم منطق الغضب الذي اجتاح أنصار الرئيس السيسي والإعلام الموالي له من إعلان الفريق أحمد شفيق نيته الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة ، فهو تحدي حقيقي وكبير ، ولكني ـ للأمانة ـ لم أفهم أي منطق لذلك الغضب الذي ينتشر الآن بين نشطاء جماعة الإخوان وأنصارهم ، لا أفهم بالضبط : أين هي المشكلة أن يترشح شفيق ؟ ما هي الخسائر التي ستلحق بالجماعة إن نجح شفيق ـ مثلا ـ وتم نقل السلطة من السيسي إلى غيره بطريقة ديمقراطية وسلمية ؟ ما الذي سيخسرونه أكثر مما خسروه ؟ ، أنا أتكلم عن حيرة حقيقية ، بعد أن لاحظت تنامي أصوات الانتقاد لخطوة شفيق في معسكر الإخوان ، لدرجة أن المرارة من شفيق وإعلانه في هذا المعسكر أصبحت أكثر وأعنف من تلك التي تصدر عن معسكر السيسي وأنصاره .
إعلان ترشح شفيق هو الحدث السياسي الأهم في مصر خلال هذا العام ، بل أزعم أنه الحدث السياسي الأهم منذ تولي السيسي نفسه رئاسة الجمهورية ، لأن شفيق مرشح حقيقي للرئاسة ، وليس من طبيعته ولا شخصيته أن يلعب دور "السنيد" ، ويملك فرصا حقيقية للفوز ، كما أن شفيق رجل دولة له احترامه في أوساط كثيرة داخل مصر وفي المحيط الإقليمي والدولي أيضا ، كما أن خلفيته العسكرية ترضي قطاعا من الناس يستهويهم فكرة الرئيس ذي الخبرة العسكرية ، كما أنه الرجل الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالرئاسة في أشرف وأنزه انتخابات رئاسية في تاريخ الجمهورية في 2012 ، وحصل على أكثر من اثني عشر مليون صوتا انتخابيا بفارق قليل عن نصف عدد الأصوات الصحيحة ، رغم أنه وقتها كان محسوبا على "فلول" مبارك ، وكان مكروها من قطاع كبير من أبناء ثورة يناير فضلا عن التيارات الإسلامية بكاملها وفي مقدمتها الإخوان ، ورغم ذلك حقق هذا الرقم الكبير ، وبدون شك فإن الخريطة السياسية والشعبية تغيرت كثيرا الآن ، وهناك من يمكنه أن يتسامح ـ ليس فقط مع فلول ـ بل مع مبارك نفسه لو قرر العودة ! .
خطاب الفريق شفيق القصير الذي دشن فيه إعلانه الترشح ، ركز على نقطتين ، هما موضع ضعف السيسي الواضح والمعلن والذي لا تستطيع أن تستره كل البروباجاندا الإعلامية ، النقطة الأولى متعلقة بالحريات العامة وغياب الديمقراطية ، والنقطة الثانية تتعلق بالأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد بسبب سوء استثمار ما توفر من ثروة ومن دعم عربي ومن قروض وغياب منطق الأولوية ، والنقطتان لا تتصل بكلام النخبة ولا المثقفين ، فهما تتماسان مع المواطن العادي ، وهذا يعني أن شفيق يلعب على وتر اتساع نطاق الاعتقالات والحبس الاحتياطي والأحكام القاسية وتهميش المعارضة وسحقها ، ويلعب أيضا على متاعب الناس الاقتصادية ، وأعتقد أن هاتين النقطتين هما مفتاح فوزه المؤكد في الانتخابات المقبلة إذا سارت الأمور بقدر من الشفافية والنزاهة وتجاوز العوائق الإدارية التمهيدية .
تحدي شفيق ليس من السهل على السيسي ومعسكره تجاهله خلال الأشهر المقبلة والتي تسبق يوم التصويت في الصناديق ، والمؤكد أن ترشح شفيق وخطابه ووعوده الانتخابية ستمثل عامل ضغط كبير على السيسي ، وقد تجبره على أن يغير ـ بقدر ما ـ من الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد طوال الأعوام السابقة ، لن تفيد حالة الاسترخاء والخطب الإنشائية وهتاف تحيا مصر والوعود بلا أفق زمني ، ولن تفيد استعراضات مهرجانات الشباب والأذرع الإعلامية ، المفيد فقط هو أن تصدر حزمة من الإجراءات السياسية والاقتصادية التي تخفف من غضب الناس وسخطهم ومتاعبهم ، على أمل أن يسحب البساط من تحت شفيق ومشروعه الانتخابي الذي يتقدم به ، وإذا كانت الإجراءات السياسية أسهل نسبيا ، بتخفيف مستوى القمع والإفراج عن المحتجزين وتوسعة مساحة الحرية الإعلامية وحركة الأحزاب والمجتمع المدني ، إلا أن الإجراءات الاقتصادية هي التي ستكون أكثر صعوبة ، لأن النظام الحالي أضاع الكثير من الفرص والأوقات التي كان بمقدوره أن يصحح فيها الوضع ويعدل البوصلة .
إعلان الإخوان رفضهم لشفيق , وهجومهم المبكر على إعلانه الترشح ، ربما يفتح الأبواب الخلفية للمساومات بينهم وبين النظام بشكل أكثر جدية في الأشهر المقبلة ، وللإخوان خبرة قديمة في ذلك ، وقدرة عالية على التطاوع وتقديم التنازلات واستيعاب المتغيرات ، وفي العادة لا يعني الإخوان كثيرا الحركة الوطنية العامة وتوجهاتها وأحزابها وقواها المدنية ، بقدر ما يعنيهم الحسابات الخاصة بالجماعة والتنظيم "والحصص" التي يحصل عليها في هامش المجال السياسي العام ، وعلى كل حال ، فالأسابيع المقبلة حبلى بالكثير من التحولات التي قد يكون بعضها صادما للكثيرين .