أمال عثمان
أوراق شخصية - السجادة الحمراء لا تصنع مهرجانات !!
تعامل المسئولون عن قنوات دي أم سي مع حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، بنفس النهج والفكر الذي يديرون به شاشتهم، اعتمادا علي البهرجة والبذخ، والفقاعات الفارغة الخالية من المضمون، والتي لا هم لها سوي تغييب الفكر وتهميش العقول!
لذا أنفقت 90 مليون جنيه لتحول حفل افتتاح أعرق مهرجان سينمائي عربي إلي "ديفيليه" استعراضي غنائي، ليس له علاقة بافتتاح مهرجانات السينما في العالم، وحشدت له كتيبة من الشابات الجميلات الأنيقات المنبهرات الثرثارات، والبعيدات كل البعد عن الثقافة السينمائية.
لقد شهدت أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية، وحضرت دورات مهرجان كان السينمائي علي مدي 18 عاماً، وطوال رحلتي الطويلة من برلين إلي طوكيو، ومن فينسيا إلي شنغهاي لم أشهد مثل ما حدث في افتتاح مهرجان القاهرة، الذي أحيته المطربة أصالة، صاحبة الحنجرة الذهبية التي خذلتها وهي تشدو بأغنية "الفن" لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
ولا أعرف سبب النقلة النوعية العجيبة التي حولت المهرجان إلي حفل غنائي؟ أو جدوي الاستعانة بمطربة وفرقة موسيقية في مهرجان يحتفي بالسينما ونجومها؟ وما الفائدة التي تعود علي عشاق الفن السابع، من تلك الديكورات الضخمة، زخارف ونجف وستائر و"شراشيب" حمراء، توارت خلفها شاشة العرض خجلا؟!
وما زاد الطينة بلة مأساة مخرج فيلما الافتتاح هاني أبو أسعد، أول مخرج عربي يحصل علي الجولدن جلوب، ويصل للتصفيات النهائية لجوائز الأوسكار، وأول عربي يصنع فيلم بطلته نجمة عالمية بحجم "كيت ونسلت"، حيث غادر الضيوف القاعة وذهبوا لحفل العشاء، في حين ظل عدد أقل من أصابع اليدين!
ليس هذا فحسب بل أن المخرج الفلسطيني الذي فتحت له هوليوود أبوابها، اضطر لإيقاف عرض الفيلم بعد 20 دقيقة، بسبب رداءة الصورة والصوت، ووجود عمال نجارة يقومون بفك ديكورات المسرح أثناء العرض!! جاء المخرج مع أسرته ليحقق حلمه بالمشاركة في مهرجان القاهرة، لكنه صدم بعرض فيلمه بهذا الشكل المهين، فأوقف العرض ووصف من غادروا القاعة بأنهم لا يحترمون السينما.
إنني لا أنكر فخامة وروعة قاعة "المنارة" للمؤتمرات التي أقيم بها حفلا الافتتاح والختام، لكنها غير مجهزة لعرض سينمائي في مهرجان دولي، وإن كانت ملايين القناة الفضائية وفرت إمكانيات مادية لا طاقة لميزانية المهرجان بها، فقد جاء الشكل علي حساب المضمون، وفرض أصحاب البث الحصري رؤيتهم علي المهرجان.
ورغم أن حضور نجوم هوليوود قد أضفي علي حفل الختام بريقا وألقا، إلا أن المنظمين لم يتداركوا أخطاءهم، فاستبدلوا المطربة السورية "أصالة" بالمطربة "أنغام"، وكأن المشكلة في جنسية المطربة، وشاهدنا عرض باليه راقص ليس له موقع من الإعراب، تتخلله عبارات وشعارات علي شريط يعلو المسرح، من المؤكد أن مكانها ليس مهرجانا سينمائيا دوليا، ولا أعرف من صاحب فكرة الخطبة العصماء التي استهلت بها المذيعة "جاسمين طه" الحفل؟!
أما المهزلة الكبري فتجسدت فيما حدث للنجم العالمي نيكولاس كيدج، الذي رحب بإجراء لقاء مع قناة نايل سينما، ولكنه فوجئ بشخص يدفعه بقوة ويجذبه بعيدا، ليمنعه من التصوير مع تليفزيون الدولة، مما أثار غضب النجم الأمريكي، الذي ظل متجهما طوال الحفل!
كذلك تم منع فريق BB» من التصوير، رغم دعوته علي نفقة المهرجان، وتسببت إدارة القناة في حرمان مهرجان القاهرة من الانتشار الدولي، لأن أصحاب الحصري لم يرفعوا البث علي القمر الصناعي الأوروبي أو الأسيوي!! بالله عليكم ما جدوي ملايين الدولارات التي حصل عليها النجوم العالميين، إذا لم يظهروا علي القنوات ويتحدثوا لكل الشبكات العالمية؟! أم إننا نخاطب أنفسنا ؟!
صحيح أن القناة الفضائية حصلت علي حق البث الحصري لحفلي الافتتاح والختام، لكنها لم تشتر المهرجان كي تمنع النجوم المصريين والعالميين من الحديث للقنوات المصرية والعالمية! وإذا كان من حقها منع تليفزيون الدولة من نقل حدث مهم مثل مهرجان القاهرة السينمائي، فلماذا غضبنا إذن حين أشتري الشيخ صالح كامل حق البث الحصري للمباريات، ورفض إذاعتها علي التليفزيون المصري دون مقابل؟!
إن الخبير السياحي عمرو بدر استطاع بعلاقاته الدولية إنقاذ الموقف في اللحظات الأخيرة، ونجح من خلال صداقاته الشخصية في استقدام كبار نجوم هوليوود في وقت قياسي، وهو كما أعرف شخصية قوية تتمتع بحضور وثقافة وذكاء، فلماذا لا يتولي رئاسة المهرجان، ويختار معاونين لديهم خبرات سينمائية؟ إنه اقتراح أتمني أن يلقي دراسة من أصحاب القرار.
لقد لخص السيناريست محمد دياب الأخطاء الحصرية التي حدثت في المهرجان بقوله: "إن المهرجانات هي التي تصنع السجادة الحمراء، ولكن السجادة الحمراء لا تصنع مهرجانات!!