سامى عبد العزيز
رأي - القادم أهم وأكثر إلحاحاً
وفق جميع المعايير الدولية، اجتازت مصر أصعب مرحلة من مراحل الإصلاح الاقتصادي بنجاح غير مسبوق، واستطاعت أن تضع قدمين راسختين في الطريق الطويل إلي الاستقرار والنمو الاقتصادي المستمر .
كانت قرارات الاصلاح الاقتصادي شجاعة وفق كل المعايير، وجريئة بكل الحسابات، ومكلفة مادياً ومعنوياً، غير أنها أتت أكلها سريعة، وحققت أهدافها بنجاح .. السياسات النقدية الناجحة كانت بداية قاطرة الاصلاح الاقتصادي .. ونجحت السياسات المالية، ونجحت معها تجربة الاصلاح الاقتصادي في خطواتها الأولي، وبشهادة المؤسسات الدولية الكبري..
في دراسة لمؤسسة جولدمان ساكس الاقتصادية الدولية الشهيرة، تمت الإشارة إلي ما حدث في مصر بأنه "قصة صعود اقتصادي متميز، وتوقع بمساحات كبيرة أخري للنمو والارتفاع"، وفي تقرير صادر عن مجموعة أكسفودر الاقتصادية الدولية تمت الإشارة إلي أن "برنامج الاصلاح الاقتصادي يعيد الأمل والطموح لقطاع التصنيع في مصر، وأن تعويم الجنيه أعطي الفرصة لتقليل الاستيراد والاعتماد علي الخامات المحلية، وتوقعات بأن تصبح مصر قاعدة تصدير لكثير من الشركات متعددة الجنسيات في منطقة الشرق الأوسط"، وفي دراسة حديثة لشركة HSB» للدراسات الاقتصادية الدولية، تمت الإشارة إلي أن "برنامج الاصلاح الاقتصادي حقق نجاحاً استثنائياً في بداية انطلاقة، والاستمرار في هذا النجاح الاستثنائي وفي هذا الزخم الكبير هو التحدي الحقيقي".. شهادات بعضها فوق بعض تؤكد المعني، وترسخ الإطار العام وهو اننا علي الطريق الصحيح..
وعلي صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، والتدفقات المالية، فقد ارتفعت هذه الاستثمارات والتدفقات بشكل مباشر، ومن قيمة 35 مليار دولار استثمارات مباشرة في منطقة الشرق الأوسط، فقد حصلت مصر وحدها علي 10 مليارات منها، أي ما يقرب من 28% منها .. وخلال هذا العام فقط، دخلت إلي مصر 9 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة. ولعله يكون مفاجئاً لكثيرين أن نشير إلي أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال هذا العام، ووفقاً للتقارير الدولية، قد فاق مثيله في كثير من الدول الكبري، ومنها السعودية، والهند، وبولندا وغيرها ..وتزامناً مع هذه الخطوات غير المسبوقة من خطوات الاصلاح الاقتصادي، كانت هناك خطوات الضمان والحماية الاجتماعية تسير بمعدلات غير مسبوقة.. مظلة الحماية اتسعت لتشمل كل محتاج أو متضرر أو كل من أصابه ضرر من خطوات الاصلاح الاقتصادي.. المساران كانا جنباً إلي جنب، ويسيران بالتوازي، وهو ما أدي إلي نجاح الخطوات الأولي لعملية الاصلاح الاقتصادي .. غير أن هناك خطوات أهم، وهناك إجراءات مستقبلية أولي .. بدونها نصبح كأننا لم نحقق شيئاً، ولم نخطأية خطوة مهمة ..
من هذه الإجراءات الضرورية زيادة الإنتاج .. ما نستورده أضعاف ما نصدره، وبالتالي سيظل عجز الموازنة قائماً، وسيظل الخلل في ميزان المدفوعات قائماً.. لا سبيل لعدل الكفة، وتحسين الأوضاع سوي بزيادة الإنتاج، وتقليل الاستيراد .. زيادة الإنتاج تعني الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتعني الاهتمام بالميزة النسبية في بعض السلع، وتعني أيضاً أن ننفق أقل مما نكسب .. بديهية في علم الاقتصاد الأوليّ لوطبقناها لاستطعنا حل كل مشكلاتنا .. لا تكن مصروفاتك أكثر من دخلك .. عش علي أدك ..
جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة خطوة أخري ضرورية لاستكمال نجاح ما بدأناه .. كل دولار يأتي إلي هذا البلد من خارجه قادر علي فتح بيت جديد .. لدينا قدرة غير عادية علي تطفيش المستثمرين، وعلي التضييق عليهم، وجعلهم يهربون .. نحتاج إلي تقديم كل التسهيلات الممكنة للمستثمرين الأجانب.. نحتاج إلي تيسير الإجراءات، وتحسين الأجواء العامة للاستثمار..
طرح نسبة من الشركات الوطنية بعد تحسينها وتطويرها في البورصة خطوة أخري .. تغيير الدماء ـ وتجديدها، والعمل وفق منظومة القطاع الخاص، لابد منها .. نحتاج إلي قلوب يكون همها علي فلوسها، وحريصة علي المكسب، وتتجنب الخسارة قدر المستطاع .. القطاع الخاص أكثر قدرة علي ذلك.. واتصالاً بهذه النقطة، فلا يمكن أن يتم الإصلاح بدون مشاركة جادة من القطاع الخاص .. الدولة عليها أن تهيئ الأجواء للاستثمار، وعلي القطاع الخاص أن يخطو وأن يشارك بفعالية في الاستثمار ..
نحتاج إلي كثير من الخطوات المكملة، والمتزامنة، حتي نستطيع أن نحقق النجاح الكامل، سيظل النجاح معلقاً، وستظل النتيجة محجوبة حتي نحقق كل ما سبق .. لذا، فالقادم أهم، والقادم أولي .. وليس لنا سبيل غيره .