محمد الرميحى
أفكار فى محاربة الإرهاب الأسود
فجع العالم بالطريقة وحجم الضحايا الذين سقطوا فى العريش المصرية الأسبوع الماضي، على المستوى العربى وعلى المستوى العالمي، فى الكويت التف علم جمهورية مصر العربية ، علم ارض الكنانة، على اكبر معالم الكويت التذكارية متوشحا ( أبراج الكويت) تعبيرا عن تضامن ليس بجديد ولا بغريب بين الشعب الكويتى وبين الشعب المصري، كما كانت الفاجعة الأليمة حديث الناس ومحط استنكارهم. الا أن هذا الإرهاب الأسود له جذور عديدة تخضع لاجتهادات شتي، وقد تكون متناقضة، ولكن جذرا مهما فيها يعود اليه الجميع، حيث ان محاربة الإرهاب ودحره تكمن فى إشاعة فكرة التسامح قولا وعملا، وعلى كل المستويات، وهو امر وجب التعامل معه بجدية فى مجالات مختلفة وعلى صعد متعددة.
الوعى بأهمية التسامح قد تتسرب منا جميعا بحسن نية، فمثلا بعد الاعتداء الاجرامى الشنيع على المصلين فى العريش، وجدت من يقول على وسائل الاتصال الاجتماعى محتجا، لماذا المسجد؟ وهو بيت الله ، لماذا لم يذهبوا إلى الحانات ودور اللهو؟، إن أحسنا النية فى مثل هذه الأقوال والفهم فإنه يدل على خطأ فى منظومة التفكير وجب علاجه، فالقتل فى أى مكان ولأى سبب دون السبب القانوني، هو فعل مُجرم قولا واحدا، لا يحتاج إلى تبرير أو تفسير، ولكنه (الوعى المزيف) لدى البعض الذى يجعلهم يستنكرون القتل فى مكان، ويمكن ان يصرفوا النظر عنه فى مكان آخر! تلك معضلة ثقافية بامتياز فى فضائنا العربى يضاف اليها ما تبثه وسائل الاتصال الاجتماعى من أفكار مشعوذة وخرافية تنهال على العامة يوميا كأنها السيل.
فهم النصوص على حقيقتها وفى سياقها يحتاج الى إشاعة الكثير من قدرات التفكير المنظم والمنطقى الذى يؤدى فى نهاية المطاف إلى توليد المناعة لدى قطاع واسع من الناس ما يجعلهم يفرقون بين الخير والشر . ويرفضون اتباع تلك العقلية الخرافية والشيطانية، ما دمنا نبحث عن ذرائع مختلفة لعدم مناقشة هذه الأمور فى صحفنا ومدارسنا وجامعاتنا، ونبتعد عنها مبررين ذلك بتجنب الخوض فيها لحساسيتها او رغبة فى عدم إثارة البعض، فسوف نظل فى مكان ادنى فى المعركة ضد الإرهاب، لان اهم واكبر عامل فى الإرهاب هو الإرهاب الثقافى والفكرى الذى يجعل أهل الفكر والرأى يضربون صفحا عن مناقشة القضايا التى تقود الآخرين إلى مسالك الظلام، ذلك من جانب، اما من الجانب الآخر فهو الاعتقاد الخاطئ الذى يمارس بشكل واسع، وهو ان الارهاب ( شأن أمني) لا علاقة للباحثين او المفكرين به، تلك معضلة نواجهها فى فضائنا العربى فى الفصل بين الامنى الذى يتعامل بشيء من السرية، والبحث الفكرى والاجتماعى الذى له منهج محدد فى تقصى الظاهر والبحث ليس عن تفسيرها فقط ولكن عن سبل علاجها ، ودون تعاون حقيقى بين الضفتين الأمنية والفكرية البحثية، سوف نظل فى متاهة البحث عن معالجات. وعلى مقلب آخر فإذا اعتقدنا للحظة أن عقول قيادات الارهابيين هى عقول بسيطة وغير منظمة فقد دخلنا فى الخطأ المؤدى الى التهاون. ففى دراسة مميزة للباحثة التونسية امال قرانى نشرت فى كتاب مهم أخيرا بعنوان (النساء والإرهاب) تشرح لنا الكاتبة بإسهاب طرق ووسائل التجنيد التى يستخدمها الارهابيون فى التجنيد والاقناع لاتباعهم، فهى تقول إنهم يجندون النساء من خلال ( مجالس العزاء، واستراحات المستشفيات، وتجمعات الفقراء وفى السجون) هذا التكنيك فى التجنيد ليس عفويا، وعندما تتسلط على الانسان فكرة ما مرتبطة بخلاصه، ومعجونة بمقولات دينية منتزعة من سياقها ، يصبح آلة يسهل توجيهها إلى أى غرض وصيدا سهلا للتجنيد ، ويتساوى الرجال والنساء فى عمليات التجنيد والحشد. المنطقة والإقليم الذى نعيش فيه موبوء بالكثير من الخرافات والاساطير بعضها يخلط عمدا بمقولات ذات صبغة دينية او مذهبية او سياسية، فلا يجوز ان نعتبر موجات الإرهاب فقط محصورة فى جغرافية محددة، من هنا فإن الحرب على الإرهاب بجانب انها حرب فكرية واقتصادية وثقافية، هى حرب إقليمية بل ربما دولية من الواجب ان ينظر اليها بهذا المنظور الواسع، ويشترك فى تأجيجها دول مباشرة او من وراء ستار وقوى وتمويل وتجنيد فكرى وتوفير سلاح، من هذا الجانب فإن التعاون الإقليمى المضاد هو احد مسارات الحرب على الإرهاب، وهو مسار لابد منه لاقتلاع الظاهرة من جذورها، من خلال تبادل الخبرات والمعلومات من جهة وفضح ممولى الإرهاب من جهة أخري، دون الاستهانة بعملية البحث العلمى والترويج لأفكار إيجابية بين الناس، إنها معركة كونية اليوم تحتاج إلى كل السواعد وقبلها كل العقول.