كريمة الحفناوى
مناهج التعليم ومواجهة الإرهاب
«... وفى العصر الحديث استنارت العقول وبلغت الإنسانية رشدها وتقدمت أمم وشعوب على طريق العلم، رافعة رايات الحرية والمساواة، وأسس محمد على الدولة المصرية الحديثة وعمادها جيش وطنى، ودعا ابن الأزهر رفاعة أن يكون الوطن (محلًا للسعادة المشتركة بين بنيه) وجاهدنا- نحن المصريين- للحاق بركب التقدم».
لقد آثرت أن أبدأ الحديث عن التعليم والعلم والبحث العلمى وأثره فى بناء وتقدم الأمم عن طريق بناء وتنمية الموارد البشرية بهذا الكلام المكتوب فى مقدمة دستورنا فى يناير ٢٠١٤. واسمحوا لى أن أستكمل مواد الدستور، الذى يحمل فى بابه الثانى وتحت عنوان «المقومات الأساسية للمجتمع» الفصل الأول «المقومات الاجتماعية».
المادة ١٩ «التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله وتوفيره، وفقًا لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية وفقًا للقانون».
ولم تكتفِ هذه المادة بالحديث عن أهمية تأصيل المنهج العلمى فى التفكير مع تأصيل الانتماء القومى، ولكنها أيضًا نصت على «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن ٤٪ من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية». ومن المعروف أن المعدلات العالمية تدور حول ١٠٪ من الناتج القومى الإجمالى.
وفى بقية المواد التى تهتم بالتعليم فى جميع مراحله تناولت المواد من ٢٠ وحتى ٢٥ التزام الدولة بالتعليم الفنى والتدريب المهنى وتطويره وفقًا لمعايير الجودة العالمية وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، والتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى الجامعى لا تقل عن ٢٪ من الناتج القومى الإجمالى. هذا غير ١٪ مخصصة للبحث العلمى، والاهتمام بالمعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وتنمية مهاراتهم المهنية وكفاءاتهم العلمية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية مع التزام الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وذلك وفق خطة زمنية محددة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مجموع ما ينص عليه الدستور من نصيب التعليم قبل الجامعى، والجامعى، والبحث العلمى ٧٪ والصحة ٣٪، وفقًا للمادة ١٨ الخاصة بالصحة. كما ينص الدستور على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وللعلم لم يتم حتى الآن تحقيق الحد الأدنى لهذه النسب. إن تقدم الأمم لا يعتمد فقط على الثروات الطبيعية والتعدينية، ولكنه يعتمد على تنمية الموارد البشرية، حيث إن الاستثمار فى البشر من خلال التعليم والصحة يرفع من الكفاءة الإنتاجية للمواطنين ويسهم فى نهضة الأمم. يقول الدكتور أحمد صقر عاشور، أستاذ التنمية البشرية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، فى مقال منشور له بجريدة الأهرام فى السابع من نوفمبر ٢٠١٦، تحت عنوان «التعليم وصناعة التطرف والإرهاب»: «إخفاق وانهيار التعليم يؤدى إلى بيئة مهيأة لنمو التطرف، وغياب البعد التربوى والوجدانى منه يؤدى إلى مزيد من تهيئة تلك البيئة». كما يقول أيضًا فى نفس المقال «إن مناهج التعليم التى تعتمد على الحفظ والتلقين بدلًا من الفهم والوعى والنقد تقوم على ثقافة الاستبداد والسلبية بإجبار وقهر الطالب على نموذج إجابة محدد، رغم أنه من المفروض أن يقوم التعليم على كيفية حصول المتعلم على المعرفة من مصادر كثيرة متنوعة ومتجددة».
إننا فى حاجة إلى تغيير المناهج التعليمية الحالية بشكل ديمقراطى بإشراك خبراء يؤمنون بالدولة المدنية الحديثة وأهمية الانتماء ومنجزات علوم التربية الحديثة والاتصال بحضارة العصر، ويؤمنون بأن العملية التعليمية لا بد أن تشمل تنمية المهارات وإطلاق القدرات الإبداعية والفنية والثقافية والأدبية والرياضية، مع التوجه لربط التعليم باحتياجات سوق العمل.