الدستور
ماجد حبته
تقارير حسب الطلب!
قضيت ليلة أمس في قراءة تقرير عنوانه «قطر وأزمة الخليج» صدر عن مؤسسة «هنري جاكسون» البحثية يتهم تلك الإمارة بدعم الإرهاب وتعريض الأمن الإقليمي للخطر، ويؤكد صحة الاتهامات التي وجهتها لها الدول الداعية لمكافحة للإرهاب (مصر، السعودية، الإمارات، والبحرين)، الرباعي العربي. غير أنني طوال الـ٥٥ صفحة لم أجد جديدًا. وكان الجديد من خارج التقرير، لا من داخله!.

التقرير الذي نشرته المؤسسة البريطانية على موقعها الإلكتروني، الخميس ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧، طالب الحكومة البريطانية بالضغط على قطر لوقف تمويل الإرهاب، وأكد أن علاقة الدوحة بالإرهاب «وطيدة ومستمرة» وأنها اعتادت على استضافة مخربين ومطلوبين أمنيًا في دول المنطقة، وقامت بتجنيسهم وإبرازهم إعلاميًا، عبر عدد من وسائل الإعلام تقوم بتمويلها، أبرزها قناة «الجزيرة»، التي وصفها التقرير بأنها «منبر للتحريض ونشر الكراهية» و«منصة دعائية للمتطرفين ودعاة العنف والطائفية».

أبرز ما في التقرير، الذي أعده كايل أورتون، الباحث في مركز الاستجابة للتطرف والإرهاب التابع للمؤسسة البريطانية، هو أنه سرد اتهامات الرباعي العربي لقطر، ووصفها بأنها «صحيحة»، وأوصى حكومة المملكة المتحدة بالضغط على قطر لوقف تمويل الإرهاب، وتحييد الإرهابيين المصنفين على قائمة الإرهاب، سواء عن طريق إلقاء القبض عليهم أو طردهم. والتأكد من إغلاق جميع الثغرات. كما طالب بضرورة وقف خطاب الكراهية والتحريض الذي تنتهجه قناة «الجزيرة» بوصفها جزءًا من السياسة الخارجية القطرية، وليست مستقلة كما تزعم حكومة الدوحة.

لن تجد جديدًا، كما أشرت، في التقرير الذي فرحت به وسائل إعلام عربية مصرية، سعودية، إماراتية وبحرينية، وتجاهلت أو تعامت عن سوء سمعة مؤسسة «هنري جاكسون» التي منذ أن تأسست في مارس ٢٠٠٥، وهي تحت سيطرة أكثر المحافظين الجدد الأمريكيين تطرفًا مع عدد من سلالة قادة «الطاولة المستديرة» أيام الإمبراطورية البريطانية: ريتشارد بيرل، رئيس مجلس سياسة الدفاع السابق في البنتاجون أيام رامسفيلد.. جيمس وولسي، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق.. ومن بريطانيا مايكل أنجرام، حفيد قائد «الطاولة المستديرة» فيليب كير.. وسير ريتشارد ديرلوف، رئيس المخابرات البريطانية في عهد توني بلير.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، أو لأن الكلام بـ«يجيب» بعضه، أشير إلى تقرير صدر عن المؤسسة نفسها، في ٥ يوليو الماضي، في ١٢ صفحة عنوانه «التمويلات الخارجية للتطرف الإسلامي»، ربط بين التطرف في بريطانيا والمملكة العربية السعودية، التي ذكرها التقرير ٨٣ مرة، واتهمها بأنها أنفقت خلال الثلاثين عامًا الماضية ما لا يقل عن ٦٧ مليار دولار لتصدير الفكر الوهابي إلى الغرب. وكان لافتًا أن ساعات لم تمضِ على نشر ذلك التقرير إلا وكان محل اهتمام (أو احتفاء) وسائل إعلام بريطانية، أمريكية، وقطرية: هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، الـ«جارديان»، الـ«إندبندنت»، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، «الجزيرة»، «العربي الجديد» و....و.... والنسخة الإنجليزية من «سكاي نيوز»، بينما تجاهلته النسخة العربية!.

وقتها، احتفت الـBBC، مثلًا، بذلك التقرير ووصفت مؤسسة هنري جاكسون بأنها «المؤسسة المتخصصة في الشئون الخارجية»، وقالت إن التقرير جاء في وقت حساس «حيث وجهت السعودية والإمارات والبحرين ومصر اتهامات لقطر بدعم الإرهاب». والأكثر من ذلك هو أن هيئة الإذاعة البريطانية، في نسختيها العربية والإنجليزية، زعمت أن التقرير وصف هذه الاتهامات، اتهامات الرباعي العربي لقطر، بأنها «تنطوي على نفاق»، بحسب فرانك جاردنر، محرر BBC للشئون الأمنية!.

من ذلك التقرير أيضًا، انطلقت جريدة الـ«تليجراف»، في ٥ يوليو الماضي، وقالت إن تحقيقًا عامًا يجب أن يبدأ في تمويل السعودية للتطرف الإسلامي في بريطانيا، الذي يؤجج الإرهاب. ونقلت الجريدة البريطانية، عن تقرير مؤسسة «هنري جاكسون»، أن هناك صلة واضحة ومتنامية بين الأموال الخارجية، التي تأتي بشكل أساسي من المملكة العربية السعودية، وموجة الفظائع الأخيرة في المملكة المتحدة وأوروبا. وأن «حملة السعودية لتصدير الإسلام الوهابي المتشدد، أدّت إلى دعم المساجد والمؤسسات الإسلامية التي يبدو أنّها على صلة بالتطرف».

واستنادًا إلى ذلك التقرير واجهت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي زارت السعودية في وقت سابق، انتقادات واتهامات بـ«الخضوع» للمملكة. ونقلت الـ«تليجراف» عن دان جارفيس، النائب البريطاني عن حزب العمال، أنّ تقرير مؤسسة «هنري جاكسون» يسلط الضوء على «الروابط المقلقة للغاية» بين السعودية وتمويل التطرف، في المملكة المتحدة. وأضاف أنّ «ذلك يشمل تحديد الشبكات التي تسوّق وتدعم التطرف، وبالتالي إغلاق الشبكات المالية التي تموّلها».

بهذا الشكل، يمكننا أن نقول إن مثل هذه التقارير، تقارير مؤسسة «هنري جاكسون» وغيرها، تعيدنا إلى كتاب «مدارس التجسس: كيف تمكنت الـCIA، الـFBI والمخابرات الأجنبية من استغلال الجامعات الأمريكية سرًا»، الصادر في ١٠ أكتوبر الماضي، والذي كشف فيه دانيال جولدن، Daniel Golden، أو فضح كيف تحولت جامعات الولايات المتحدة ومراكزها البحثية ومعاهدها العلمية إلى خط أمامي للتجسس المحلي والدولي، وكيف صارت تحت سيطرة المخابرات المركزية الأمريكية، «CIA»، ومكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، «FBI». وكنت توقفت عند هذا الكتاب وقلت إن المجال مفتوح لكل المقاربات والقياسات والاستنتاجات التي قد تخطر على بالك، أو على بال أي واحد صاحبك!.

يمكننا، إذن، استنتاج أن غالبية التقارير، إن لم تكن كلها، تصدر حسب الطلب. غير أن اللافت هو أن وسائل الإعلام التي احتفت بتقرير ٥ يوليو، تجاهلت تمامًا، حتى كتابة هذه السطور، تقرير ٣٠ نوفمبر. بينما وسائل الإعلام التي تجاهلت أو هاجمت تقرير ٥ يوليو، تحتفي الآن، وتهللّ لتقرير ٣٠ نوفمبر. وكأن تلك التقارير لا تصدر إلا لتكشف التوجهات، الانحيازات، الولاءات، التمويلات.. وخلافه!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف