محى السمرى
ناس وناس - حكايات عن الإرهاب
كانت حادثة مسجد الروضة ببئر العبد بسيناء من أبشع الحوادث الإرهابية التي مرت بمصر.. وببلاد أخري في العالم.. لا أكاد أتصور أن أدخل المسجد الذي هو بيت الاطمئنان والهدوء والخشوع.. وأؤدي الصلاة وهي ما فرضه الله سبحانه وتعالي علي من دخلوا في دين الإسلام الحنيف.. وفجأة تنهال النيران علي كل من بداخله ويصبح المسجد الآمن مليئاً ببركة من الدماء وأشلاء وجثث المصلين.. أمر بشع بكل المقاييس.. لقد حققت هذه الجريمة الإرهابية الرهيبة الآلام والحزن في كل نفس داخل مصر وربما خارجها وتركت جروحاً تنزف دماً علي من اغتالته يد الإرهاب سواء كان شيخاً أو شاباً أو صبياً أو طفلاً.. وأصبح في كل بيت أرملة تبكي عائلها الوحيد أو طفل فقد والده وأخوته.. وأصبح كلاهما وحيداً ينتظر المجهول وما يحمل لهم القدر.
والحقيقة أن الإرهاب موجود في كل الدنيا بأشكال مختلفة.. والإرهابيون تواجدوا عبر التاريخ كله بل ومنذ آلاف السنين وهناك حكايات كثيرة عن حوادث إرهابية واغتيالات حدثت في عصور الفراعنة.. كذلك امتلأ عصر الإسلام الأول بالحوادث التي ما أنزل الله بها من سلطان.. ولعل محاولات المرتدين عن الإسلام الذين حاولوا فرض أفكارهم المرتدة بالقوة علي المسلمين من أمثال مسيلمة الكذاب وطليحة وسجاح الذين جعلوا من أنفسهم أنبياء كذبا وادعوا النبوة.. ورغم ذلك أشار عمر بن الخطاب علي أبوبكر الصديق.. بمهادنتهم ولكن أبوبكر رفض كما هو معروف وقضي علي هذه الفتنة التي ازعجت الناس وكادت تقضي علي إيمانهم.
وعندما تولي عمر بن الخطاب الخلافة واستطاع أن يفرض العدل ويحقق الاستقرار وأرسي قواعد الدولة الإسلامية فإن يد الإرهاب والغدر انتظرته وهو قائم يصلي بالمسجد حيث اغتاله أبولؤلؤة فيروز المجوسي..!
واستمر الإرهاب والاغتيال.. حيث طال ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان.. وصعد بعض الإرهابيين إلي سطح منزله ودخلوا حجرته وكان جالساً يتلو في كتاب الله.. وطعنوه بينما وقفت زوجته تدافع عنه باستماتة إلا أن الإرهابيين قطعوا أصابع يدها وسالت دماؤها إلي جوار دم زوجها علي المصحف الذي كان يقرأ فيه.
ثم انتقل الإرهاب بعد ذلك إلي علي بن أبي طالب حيث تربص به عبدالرحمن بن ملجم في المسجد أيضاً عند صلاة الفجر وطعنه وهو في المحراب بخنجر مسموم.
وفي عصور الإسلام الأولي.. انتشرت حوادث إرهابية كبيرة.. كان أبطالها من المماليك وكذلك من بعض القادة مثل قطز والظاهر بيبرس وغيرهم من الذين كانوا يتطاحنون للاستيلاء علي السلطة.. وكان كل منهم لديه حاشية أو ميليشيات.. يدينون بالطاعة المطلقة لرئيسهم وكانوا يفرضون إرادتهم وطلباتهم بالحديد والنار.. وكما قرأنا في كتب التاريخ المختلفة فإن الشعب المصري كثيراً وكثيراً ما عاني من هذه الأعمال الإرهابية التي كانوا يتعرضون لها بمناسبة وبدون مناسبة.
وخلال المائة عام الأخيرة.. اشتعلت بعض الحوادث الإرهابية التي كان لها دوي داخل البلاد ففي سنة 1910 علي سبيل المثال كانت الحكومة المصرية تعاني عجزاً مالياً.. ونمي إلي علم شركة قناة السويس هذه المعاناة فعرضت علي حكومة بطرس باشا غالي أن تشتري 40 عاماً إضافية لمدة الامتياز بحيث ينتهي في عام 1968. وذلك مقابل أربعة ملايين جنيه فقط ولكن الشعب رفض هذا العرض رفضاً باتاً واندلعت المظاهرات تطوف شوارع العاصمة منددة بهذا العرض.. وقام طالب بكلية الصيدلة باطلاق الرصاص عليه.. ومات بطرس باشا غالي.. وتم وصف هذا الحادث بأنه حادث إرهابي.
مثال آخر في سنة 1912 ضبط بوليس جمرك اسكندرية مع أحد الشباب القادم من الاسكندرية حقيبة بها منشورات ثورية مطبوعة في اسطنبول وتدعو لإنشاء الجمعيات السرية للفتك والاغتيال وجاء في تقرير كيتشينر المندوب السامي البريطاني أن هذا الحادث يؤكد قيام جماعة ضلوا السبيل فتآمروا علي قتل أكابر الموظفين في هذا القطر ولو تم لهم ما أرادوه من مؤامرتهم لكانت العواقب وخيمة.. ولكن مؤامراتهم كشفت في وقتها وحوكموا وعوقبوا وعقب مؤامراتهم سعي قوم آخرين لإذاعة منشورات أرسلت من الخارج للتحريض علي الفتن وإنشاء الجمعيات السرية.
والحقيقة أن الحوادث الإرهابية استمرت بشكل أو بآخر علي طول سنوات التاريخ ففي سنة 1915 القيت قنبلة علي السلطان حسين كامل سلطان مصر من أحدي النوافذ وكان في طريقه من قصر رأس التين بالاسكندرية إلي المسجد لأداء صلاة الجمعة ولكن القنبلة لم تنفجر. كما حدث في نفس العام شروع في اغتيال إبراهيم باشا فتحي الذي عين وزيراً للأوقاف بينما كان يقف في محطة مصر انتظاراً لقطار الوجه القبلي إذ انقض عليه شاب يعمل موظفاً بوزارة المالية وطعنه بالخنجر ثلاث طعنات لم تسفر عن موته.
علي أن قمة مآسي الإرهاب أتت بالفعل بعد عام 1928 عندما ظهرت جماعة الإخوان للدعوة للدين الإسلامي ولكن الجماعة قررت العدول عن أهدافها التي كانت مقصورة علي تنمية الوعي الإسلامي لدي الناس إلي اتجاه العمل بالسياسة.. وحاول حسن البنا أن يرشح نفسه لعضوية البرلمان عن الإسماعيلية إلا أن مصطفي النحاس باشا رفض ترشيحه علي أساس أن جماعته جماعة دينية فإما أن يشتغل بالدين فقط أو السياسة فقط.. ولكن الجمع بين النشاطين أمر مرفوض.
المهم أن هذه الجماعة بدأت في الأعمال الإرهابية قبل إنشائها حيث ألف حسن البنا مع عدد من أقرانه في "المحمودية" جمعية تسمي "منع المحرمات" وكان أعضاؤها يقومون بصياغة خطابات تهديد يوجهونها إلي من يحيدون عن مبادئ الدين والمقصود بهم الفاطرون في رمضان ومن قصر في صلاته.. أو أي أمر آخر تعتقد الجماعة أنهم يخالفون الدين.. أي أن الإرهاب كان في البداية بالتهديد.. ثم اتجه إلي تنفيذ العنف والقتل والتخريب.
وقد ورد في مذكرة الأمن العام أن الجماعة قامت مثلاً بتأليب أهالي كفر البرامون وتحريضهم علي التحرك للمطالبة بأجور أعلي.. وكذلك تحريض بعض العاملين بقرية مملوكة لوزارة الزراعة للإضراب من أجل الاستجابة لمطالبهم.
ثم تتابع الأحداث الإرهابية ما بين تفجيرات في دور السينما بالقاهرة والاسكندرية وضبط صناديق معبأة بالقنابل والأسلحة كذلك حدث اغتيال المستشار أحمد الخازندار القاضي الذي حكم بالسجن علي أحد الإخوان.
ومن الأحداث الأخري نسف عدد من المنازل في حارة اليهود كذلك اغتيال سليم زكي حكمدار القاهرة الذي القيت عليه قنبلة من سطح كلية الطب.. ويضاف إلي هذه الأحداث حادث اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا وكذلك اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا وغيرها وغيرها ولم تتوقف الأحداث الإرهابية حتي في بداية عام 2011 حيث تم نسف كنيسة بالاسكندرية راح ضحيتها الكثيرون وتوالت الأحداث الدامية بعد ذلك حتي حادث الأسبوع الماضي الذي يعد كارثة بكل المقاييس والذي أدي إلي استشهاد 311 شهيداً من شهداء الروضة في بئر العبد الإرهاب ليس وليد اليوم.. ولكنه عميق.. واقتلاعه من جذوره هدف قومي.. بل وعالمي أيضاً وهذا هو ما يسعي إليه رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي.