الأهرام
عطية عيسوى
مسئولية الجميع
لن ينهى اتفاق قادة دول إفريقيا وأوروبا على إجلاء المهاجرين الذين يواجهون البيع كعبيد واعتداءات بدنية وجنسية فى معسكرات احتجاز بليبيا ظاهرة الهجرة غير الشرعية لأوروبا ما لم يتم معالجة الأسباب التى تدفع الأفارقة للمخاطرة بحياتهم، وفى مقدمتها الفقر والبطالة وقلة، فرص التعليم والرعاية الصحية أو انعدامها من الأساس، فضلاً عن انتهاك حقوق الإنسان وكثرة الصراعات العرقية والقبلية والدينية.صحيح أن الاتفاق ربما ينهى احتجاز واستغلال عدد من الذين نُشرت فيديوهات بيعهم كالماعز، على حد وصف رئيس نيجيريا، وليس كلهم لأن بعضهم قد يرفضون العودة وآخرين قد يختفون أو يخفيهم الذين اشتروهم ومنهم مَن لن تتمكن الحكومة الليبية من تحديد أماكنهم، إلاَّ أن تدفق المهاجرين على ليبيا وجيرانها أملاً فى دخول جنة أوروبا المنشودة لن يتوقف تماماً فى المستقبل القريب.

مأساة المهاجرين الأفارقة ليست مسئولية الحكومة الليبية وحدها، وإنما مسئولية حكومات دولهم التى دفعتهم سياساتها الفاشلة للهروب إلى أوروبا عبر الأراضى الليبية، وكذلك الحكومات الأوروبية التى لم تضغط بما فيه الكفاية على تلك الحكومات لمعالجة أسباب هجرتهم وللحد من الفساد المتفشى خوفاً على مصالحها الاقتصادية ولم تقدم المساعدة المالية أوالفنية اللازمة لتنمية الاقتصادات الإفريقية بما يوفر فرص عمل ويحسن مستوى المعيشة لإغرائهم بالبقاء فى بلادهم.فماذا كان ينتظر قادة دول أوروبا وإفريقيا من حكومة ليبية عاجزة تنازعها السلطةَ حكومتان أخريان وعشرات الميليشيات، أو مِن عصابات مسلحة خارجة على القانون كلُ همها قبض الأموال من المهاجرين أو بيعهم لمن يشترى ومن حكومات أوروبية اتفقت معها على منعهم من ركوب البحر إلى أوروبا فى مقابل مساعدات مالية؟!.

كان على القادة الأفارقة الذين أعربوا عن صدمتهم لبيع رعاياهم فى أسواق النخاسة الليبية ألاَّ ينتظروا حتى يحدث ما يصدمهم وأن يسارعوا بالتحول إلى نظم حكم ديمقراطية حقيقية وباحترام حقوق المواطن ومكافحة الفساد،حيث ينهب الفاسدون والمتسلقون والمتزلفون قدراً كبيراً من خيرات الوطن على حساب الغالبية من البسطاء، وأن يلتزموا العدالة فى توزيع مشروعات التنمية لتوفير فرص عمل وتعليم وعلاج مناسبة وأن يتوقفوا عن كل ما يثير الصراعات العرقية والدينية بالداخل ومع دول الجوار لمنع استنزاف موارد البلاد فى غير الغرض منها.فما الذى يغرى شاباً أو شابة على البقاء فى بلد لا يجد فيه عملاً شريفاً أو تعليماً أو علاجاً وتُمتهن كرامته حيث تبلغ نسبة البطالة 75% فى بعض الدول والفقر 70%؟.

أما قادة أوروبا الذين هبُّوا لإدانة عبودية المهاجرين فى ليبيا وطالبوا بفرض العقوبات على مرتكبيها وبإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية فكان أولى بهم ألاَّ يعقدوا اتفاقيات مع زعماء عصابات وميليشيات مسلحة لمنع المهاجرين من العبور إلى أوروبا مقابل أموال، وأن يبحثوا عن طريقة قانونية يدخل بها المهاجرون إلى القارة البيضاء،كما قالت بحق مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، وأن يسمحوا باستقبال المهاجرين فى بلادهم بدلاً من تركهم فريسةً للعصابات فى ليبيا، وأن يساعدوا حكوماتهم مالياً ولوجستياً على إعادتهم إلى بلادهم وتوفير فرص عمل لهم وعدم معاقبتهم لمحاولتهم تحسين مستوى معيشتهم بالسفر إلى أوروبا، وأن يضغطوا على تلك الحكومات لانتهاج سياسات جديدة تشجع شبابها على البقاء فى بلادهم بدلاً من المخاطرة بحياتهم.فقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن 33 ألفاً و761 مهاجراً لقوا حتفهم غرقاً فى البحر المتوسط خلال السنوات الست عشرة الأخيرة بخلاف الآلاف الذين قتلهم الجوع والعطش والعصابات المسلحة خلال سيرهم أياماً وليالى فى الصحراء قبل أن يصلوا إلى شاطيء المتوسط.ووصف المفوض السامى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تعاون أوروبا مع الأطراف الليبية بشأن المهاجرين بأنه لا إنسانى، كما وصف قادة أفارقة اتفاقيات إيطاليا مع زعماء العصابات المسلحة لردعهم بأنها مشبوهة.

أخيراً، ورغم كل الإجراءات الأمنية التى اتخذتها الدول الأوروبية والإفريقية لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة تمكَّن نحو 161 ألفاً منهم من الوصول بحراً إلى شواطىء أوروبا الجنوبية هذه السنة فقط، بينما غرق ثلاثة آلاف. ووصف أنطونيو تاجانى رئيس البرلمان الأوروبى وضع إفريقيا بأنه مأساوى قائلاً: إذا لم تنجح أوروبا فى حل المشاكل الأساسية للدول الإفريقية سيصل إليها ما بين 10 و30 مليون إفريقى خلال السنوات العشر المقبلة، وطالب الاتحاد الأوروبى بضخ استثمارات فيها بمليارات الدولارات. ذلك أن 60% من الأفارقة تحت سن العشرين، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الشباب خلال عشر سنوات وستبلغ نسبة العجز فى الوظائف بحلول عام 2040 خمسين مليوناً حيث ستسهم إفريقيا بنصف الزيادة السكانية التى سيشهدها العالم «2.2 مليار نسمة» بحلول سنة 2050، كما أن 98% من الذين يعانون من نقص الغذاء فى العالم يعيشون فى إفريقيا.ولا حلَّ سوى التعاون بين أوروبا وإفريقيات للنهوض بالاقتصادات الإفريقية، وتوفير فرص عمل للعاطلين، وكذلك التعليم والعلاج لعامة المواطنين لإثنائهم عن التفكير فى الهجرة غير المشروعة مع اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان نجاح ذلك التعاون لمصلحة الطرفين.فالبنية التحتية الإفريقية تحتاج إلى 93 مليار دولار سنوياً تعادل 10% من إجمالى الناتج القومى الإجمالى لإفريقيا ولا قِبَلَ لدولها وحدها بها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف