الجمهورية
صلاح الحفناوى
"سلة" القاهرة.. واللعب علي الأرصفة!
كيف نربي أبناءنا علي القيم الحميدة.. فيما الفساد يحيط بهم من كل جانب؟.. كيف نعلمهم قيمة يقظة الضمير فيما هم محاصرون بأناس ماتت ضمائرهم وفسدت ذممهم وتراجعت أخلاقهم؟.. كيف نعلم أبناءنا قيمة الاجتهاد والاخلاص في العمل باعتباره طريق النجاح.. فيما هم محاطون بمن يخونون قيمة العمل ويكرسون قيم التراخي والفهلوة وينجحون بالغش؟.
الفساد أصبح يحيط بأبنائنا في كل مكان.. في المدرسة.. في الشارع.. في مواقع العمل.. وحتي في الأندية والاتحادات الرياضية.. وأصبح مطلوبا منا أن نقنعهم أن هذا الفساد العام الشامل المنتشر هو الاستثناء.. وأن القلة القليلة من أصحاب الضمائر اليقظة الذين يعانون الحصاد المر ليقظة ضمائرهم هي القاعدة العامة.
ماذا اقول لابني الذي يذاكر ويجتهد ويواظب علي تأدية واجباته.. عندما يحصل علي درجات متدنية لأنه لا يحصل علي درس خصوصي عند مدرس المادة.. ماذا أقول له عندما يتعمد مدرسة مجاملة من يحصلون عنده علي دروس خصوصية علي حساب من لا يدفعون له ثمن التعليم ومقابل التربية؟.. ماذا اقول له عندما لا نجد مكانا للسير علي الأرصفة ونضطر الي اجتياز نهر الطريق وسط السيارات معرضين أنفسنا للخطر.. لأن أصحاب المقاهي والمطاعم احتلوا جميع الأرصفة وأجزاء من أنهر الطرق علنا وفي وضح النهار؟.
شاء حظي العاثر أن أشهد مباراة في كرة السلة في مسابقة القاهرة لناشئي اللعبة تحت سن 14 سنة.. لأري كيف عاني الأطفال الصغار من فساد تحكيمي غير مسبوق بلا سبب ظاهر أو مبرر مقبول.. رأيت كيف تعلم الأطفال الصغار أول دروس فساد الذمم وغياب الضمير.
حدث ذلك مساء الثلاثاء الماضي.. وشهد الأحداث ملعب كرة السلة في نادي القاهرة.. المباراة كانت بين فريقين ينتميان لفرعي ناد واحد.. وأمام عشرات الشهود من أولياء امور الأطفال شهدت المباراة كل أشكال الفساد الاخلاقي التحكيمي من قرارات عكسية وتلاعب بالوقت وعدم احتساب أهداف صحيحة لتنتهي المباراة التي لم تكتمل مدتها بفارق نقطة واحدة للفريق الذي حظي بنعمة الفساد التحكيمي.. وليقرر أولياء الامور التوجه بشكاوي جماعية الي اتحاد اللعبة.. انتهت الاحداث العبثية لتبدأ الفكرة.
الحيرة علي وجوه الأطفال الصغار هي المشكلة.. نتيجة المبارة لن تقدم أو تؤخر.. فهي بين فريقين من ناد واحد كما أشارنا من قبل.. المشكلة ليست في النتيجة ولكن في الدروس التي قدمها طاقم التحكيم لأطفال في عمر الزهور لم تستوعب عقولهم ما حدث ولم تجد له تبريرا منطقيا.. ما يعنينا هنا هو القيم التي غرسها طاقم التحكيم في نفوس براعم تتفتح علي الحياة وتتلقي أول دروسها: الفساد وغياب الضمير وضياع جهد المجتهد ونجاح من كان الحكم "خاله".. الدرس الذي تلقاه الأطفال الصغار في مباراة لم تعرف طريق الأضواء ولم ترصدها كاميرات التليفزيون.. هو أن الاجتهاد والاصرار والعرق ليسوا الطريق إلي الفوز والنجاح.. هناك طرق أخري ملتوية تحقق الغرض.
الحكم الفاسد لا يختلف عن المدرس الفاسد او صاحب المقهي الفاسد أو أي فاسد آخر.. كلهم يغرسون الفساد في نفوس أجيال جديدة لتتصل الحلقات وينتقل الميراث اللا أخلاقي من جيل إلي جيل.
كيف نعلم أبناءنا أن من جد وجد.. كيف نسلحهم بيقظة الضمير.. والفساد يحاصرهم من كل حدب وصوب؟.. كيف نمحو من ذاكرتهم أحداثا مؤسفة في مباراة يفترض أن يتحلي أطرافها جميعا بالروح الرياضية؟.. الاجابة صعبة صعوبة الحياة نفسها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف