المصريون
جمال سلطان
دلالات ما جرى للفريق أحمد شفيق
الحدث الأكبر هذا الأسبوع ، والذي غطى على ما عداه في مصر ، هو اعتقال الفريق أحمد شفيق في الإمارات فجأة وترحيله إلى مصر على طائرة خاصة ، مع الإبقاء على أسرته هناك ، ثم اختفاء شفيق وأخباره الشخصية عقب وصوله إلى القاهرة مساء أمس السبت ، وهو الحدث الذي نزل كالصاعقة على عقول ومشاعر ملايين المصريين ، وأصبح حديث الجميع ، وحديث الصباح والمساء كما يقال .
شفيق كان قد أعلن أنه يريد القيام بجولة انتخابية في فرنسا وأمريكا ودول أخرى للالتقاء بالجاليات المصرية ـ وربما أيضا مسئولين في مراكز القرار الدولي ـ ثم يعود بعدها إلى مصر لخوض معركة الانتخابات ، ثم اشتكى من أن الإمارات تمنعه من السفر ، ثم ظهر مسئول إماراتي وقال أنه حر يذهب إلى أي مكان يريد وهجاه وأهانه ، ثم تحدث شفيق مع محاميته ومع أصدقاء مصريين له من سياسيين ونشطاء ومحامين فأخبرهم أنه يجهز نفسه للسفر إلى فرنسا خلال أيام قليلة ، وتردد أنه حصل على دعوة رسمية فرنسية ، وبينما الناس تنتظر خبر مغادرة شفيق إلى باريس إذا بالخبر المفاجئ الذي أعلنته محاميته بأنه تم اعتقاله في الإمارات وترحيله إلى مصر على طائرة خاصة ، أي أن وجه الاستعجال والضمان كان ملحا ، وهو الأمر الذي لم يعلق عليه أي مسئول مصري ولا إماراتي ، لا الجهة التي سلمته ولا الجهة التي تسلمته ، وكل ما نشر عبارة عن أخبار غامضة ومجهلة لوسائل إعلام إماراتية تقول أنه غادر البلاد .
الإمارات احتضنت شفيق طوال خمس سنوات ، وقدمت له الرعاية والتأمين والدعم بمختلف صوره ، وكانت له صداقات وثيقة وعميقة مع عدد من قادتها ومسئوليها ، لذلك تطورات إعلانه وشكواه ثم اعتقاله وترحيله تبدو عصية على الفهم لدى كثيرين ، ومازالت مطروحة للتشكيك والتساؤل ، هل غضبت عليه الإمارات بالفعل ، وعلى الجانب الآخر ، هل طلبت مصر تسليمه قبل أن يسافر إلى فرنسا ، وهنا نذكر أن الإعلامي المصري الشهير عمرو أديب ، وهو المتحدث باسم (القوم) ، قبل الواقعة بيوم واحد وفي معرض حديثه ببرنامجه الفضائي عن موضوع شفيق وجه كلامه إلى السلطات الإماراتية حرفيا قائلا : "حطوا شفيق في طائرة وأرسلوه إلى مصر" ، وهو ما حدث بالفعل ، رغم أن الناس كانت تأخذ الكلام على سبيل الهرتلة .
اختفاء الفريق شفيق في القاهرة منذ وصوله وحتى كتابة هذه السطور ، كما قالت أسرته ومحاميته ، يعني أنه بحوزة جهة أمنية رسمية وفيما يشبه تحديد الإقامة ، وهو وضع سيمثل عبئا ثقيلا على الرئيس عبد الفتاح السيسي والنظام بكامله ، فما الذي عساه أن يفعله معه ، هل يظهر له قضية أخرى جديدة أو قديمة ويصدر قرار بحبسه على ذمتها ، وهو أمر لن يقبل به المجتمع الدولي ولن يتفهمه ، كما أنه لن يكون مهضوما في الداخل أيضا ، وسيفهمه كثيرون على أنه قرار "اعتقال" لمنعه من الترشح ومنافسة السيسي في الانتخابات ، هل سيكتفي بتحديد إقامته ومنعه من الحديث في السياسة فضلا عن الترشح ، كما كان حاله في الإمارات ، أيضا هذا يصعب تصوره وتفهمه عند ملايين المواطنين بعد كل ما أعلنه شفيق وما جرى له ، هل سيتم منعه من السفر وإدراجه على قوائم المنع في المطارات والموانئ ومنعه من التواصل مع الإعلام بمختلف صيغه وأدواته ، الحقيقة أن كل هذه الاحتمالات ستكون محرجة للغاية للسيسي والنظام بكامله ، والذي عليه أن يتخذ قراره في وضع شفيق الآن ، وهذا ما أعنيه بأن وصول شفيق إلى القاهرة في هذه الظروف أصبح عبئا على النظام .
الدلالة الأهم فيما جرى للفريق شفيق أنها كانت كاشفة عن "النوايا" الحقيقية للنظام السياسي المصري الحالي تجاه "فرضية" الانتخابات الرئاسية ، خاصة أن إعلان شفيق ترشحه كان هو التحدي الأهم والحقيقي والخطر على فرص السيسي في الانتخابات المقبلة ، هو الإشارة الوحيدة الحقيقية على أن انتخابات ستعقد في مصر ، ومن ثم ، فإن الكثيرين داخل مصر وخارجها أصبحوا أكثر اقتناعا بأن النظام غير جاد في مسألة عقد انتخابات بالأساس ، هو يريد مشهدا سياسيا ـ تحت السيطرة ـ مثل مشهد 2014 ، أو مرشحين من نموذج الحاج أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة رحمه الله ، الذي قرر الترشح ضد مبارك لكنه تعهد بأن يعطي صوته في الانتخابات لمبارك نفسه ! ، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ الآن بالتندر والنكات حول "خطورة" أن يعلن أحدهم نيته الترشح وأنه معرض للإبلاغ عنه لدى الجهات الأمنية أو أن "يشي" به أحد لدى السلطة .
مسار وحيد ، إذا حدث سيكون من شأنه أن يغير كل ما سبق ، وأن يضع سيناريو مختلفا تماما لتفسير ما جرى ، ويقلب منطق الحسابات رأسا على عقب ، وهو أن يرفع الحظر عن شفيق ، ويسمح له بالترشح للانتخابات المقبلة وممارسة نشاطه السياسي ، .... ولكل حادث حديث .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف