لم يكن محمود الخطيب مجرد لاعب كرة شهير فى ناد عريق عربيا وإفريقيا مثل النادى الأهلي، لكنه وباختصار كان جزءا من ذكرياتنا المنسية، من تاريخنا الشخصى المدون بالانتصارات والهزائم أيضا، ولذلك لم يكن غريبا أن تستمر أسطورة (بيبو) كما أحبت الجماهير أن تناديه دائما، وظل الخطيب حاضرا فى الوجدان الجمعى للمصريين بوصفه حاملا للبهجة والمحبة معا.
نحن بإزاء الخطيب أمام فكرة تتجاوز المعنى الكلاسيكى للاعب الكرة الخلوق، المهذب، المحبوب، إلى آخر قائمة هذه النوعية من الصفات التى تجعل الجماهير تتفاعل مع بطلها أكثر، كان ثمة شيء أكثر أهمية لدى الخطيب، يتمثل فى الحقيقة فى إتقانه الشديد لما يفعل، بدءا من تنمية موهبته الفطرية فى اللعب بالكرة، ووصولا إلى جملة الخبرات الفنية والإدارية التى اكتسبها فى النادى الأهلي.
وربما كان الصخب الذى صاحب الحملتين الانتخابيتين المتنافستين فى انتخابات النادى العريق دافعا لعشرات الأسئلة حول كيفية تحول التنافس إلى صراع محموم، خاصة مع التوظيف الذى لا تخطئه عين للمال الرياضى من أجل الفور، وفى ظل هذا الصخب بدا الخطيب يحمل تصورا مثاليا للغاية فى المواجهة، ربما لم يكن الخطيب يرغب فى تقديم صورة أخرى تغاير ما درجت عليه الجماهير التى عشقته لاعبا موهوبا وإنسانا نبيلا فى آن. ولذا كان مدهشا لى ولغيرى أن يتلقى الأسطورة هذا الكم من الهجوم من قناة ناديه التى شارك فى تأسيسها، دون أن يسعى للرد.
وجدت نفسى وللمرة الأولى منذ سنوات بعيدة فى الحقيقة، يشدنى حدث كروى محلى وأستعيد شغفى القديم بعالم الكرة، بمجرد أن علمت باحتدام المنافسة بين الخطيب، ومنافسه المحترم المهندس محمود طاهر، ولم تكن أهداف الخطيب التى أذاعتها بعض القنوات التى دعمته بقوة مذهلة وحدها السبب، حيث تستعيد مع كل هدف أحرزه من قبل زمنا جميلا بحق، فالنوستالجيا أو ما يعرف بالحنين إلى الماضى كان ملهما للجماهير التى زحفت على مقر النادى العريق فى الجزيرة لانتخاب بطلها التاريخى الذى يضاف إلى قائمة أبطالها الأسطوريين: مختار التتش، وصالح سليم، وغيرهما. فى الحقيقة وجدت نفسى جزءا من هؤلاء الذين يريدون لبطلهم أن ينتصر، ولو أردنا الدقة فإننى كنت معنيا للغاية بأن يحصل كل ذى حق على حقه، وكم كانت الجمعية العمومية للنادى العظيم واعية بتاريخها وعناصر قوتها الحقيقية، وكان رهان الخطيب وحملته عليها يماثل رهانها على الخطيب وحملته، وبدا هذا الجدل الخلاق بينهما مفسرا للفوز الذى حدث، والذى وجد كل مشجع للكرة نفسه فيه.
فى مداخلة تليفونية مع الكابتن الشهير عبدالعزيز عبدالشافى (زيزو)، ذكر جملة بالغة الدلالة أظنها مفتاحا موضوعيا آخر فى فوز الأسطورة، يتعلق بما أسماه زيزو «هوية الأهلى» فالتصرفات الصبيانية غير المسئولة التى صاحبت البعض داخل النادى فى لحظة من اللحظات، والهجوم على القلب الصلب للدولة المصرية من بعض المشجعين المهووسين، والصمت الذى صاحب ذلك، عدا البيان الشهير الذى ألقاه زيزو بشجاعة وصدق شديدين، بينما تنصل منه آخرون وتركوه يلقى البيان وحيدا فى مفارقة تستحق التوقف أمامها طويلا. والنادى المعروف بمواقفه الوطنية والذى شغل رئاسته العديدون من بينهم عبدالخالق ثروت باشا والفريق عبدالمحسن مرتجي، والكابتن صالح سليم، لن يعدم رجالا يتحملون المسئولية ويحافظون على جوهر النادى وتقاليده وقيمه ومبادئه قبل استكمال مبانيه ومنشآته وتطويرها.
إن الفرحة العارمة التى انتابت الجماهير الكروية فى عالمنا العربى لم تكن مقترنة بانحياز لمرشح ضد آخر، أو لمجرد التشجيع للنادى الأهلي، لكن لأن هناك قيما حقيقية لم تزل حاضرة، وأن ثمة أساطير يمكن الرهان عليها، والجماهير وحدها من صنعت أسطورة الخطيب، ولذا لم ترد لها أن تنهار أو تتعرض لهزة ما لو رسبت فى الانتخابات.. هكذا المصريون دائما يفاجئونك فى الحقيقة، فيتخطون هوس الدعاية والترويج الهستيرى وتحالفات رأس المال، ليراهنوا فى النهاية على من يمنحهم الفرح، حتى لو كان ذلك الفرح ذكرى قابعة فى مؤخرة الرأس مرت عليها عشرات السنين، أو كانت تاريخا قريبا قد غير من حياة الناس ووسم لحظاتهم بالبهجة..
إن النوستالجيا، وهوية النادى وتاريخه، وأسطورة الخطيب، وغيرها من الأسباب المؤثرة فى الفوز لم تكن وحدها كافية دون برنامج علمى قدمته حملة الخطيب التى ضمت مجموعة من أصحاب الخبرات الحقيقية فى ميدانى الرياضة والحياة العملية، بل والسياسية أيضا على غرار السباحة المصرية العالمية رانيا علوانى التى تقدم نموذجا مشرفا للمرأة المصرية المستنيرة، والتى تمثل مع زملائها من أعضاء مجلس الإدارة الجدد حجر زاوية يمكن البناء عليها لمصلحة الرياضة المصرية التى نتطلع إلى أن تتحول إلى جزء من القوة الناعمة للدولة المصرية فى لحظة دقيقة للغاية، نتمنى فيها أن تسهم الرياضة بشكل أكثر فاعلية فى مواجهة المد المتطرف ومقاومته.