أسامة سرايا
رسالة مدينة العبد الجديدة
إذا كانت مشاعر المصريين قد اهتزت بعنف، بعد جريمة بئر العبد فى شمال سيناء، ومقتل مئات، وإصابة العشرات من المصلين فى مسجد الروضة، وسالت الدماء الذكية على سجاد الصلاة فى جريمة وحشية، فإنها كشفت أمام كل الناس، فى الداخل والخارج، عن نوعية السفاحين الذين نواجههم منذ سنوات طويلة، ويتجددون فى كل حقب حياتنا، مستغلين ثغرات المجتمع، ونقاط ضعفه، وعدم الحسم فى المواجهة!!أو التردد فى استخدام القوة أو حتى الخوف من التغيير الجذري. كان بكاء أرامل وأسر الضحايا على رجالهم وأطفالهم الذين لقوا وجه رب كريم فى صلاة الجمعة ناطقا عن نوعية القتلة، فقد حصدت رصاصات الغدر والخسة والندالة المصلين وهم سجود أبرياء، وبلغ من الوحشية أنهم حصدوا كل الأطفال المصلين، وأكثر من نصف المصلين الذين هم نحو 40% من أهل القرية. هى جريمة لا يمكن أن تنسى من ذاكرة كل مصرى ومصرية، كل رجل أو امرأة، كل شاب أو شيخ.. هى جريمة كبرى لها ما بعدها، يجب أن نذكر أهالينا بها كل حين، ونحفرها فى الذاكرة الوطنية حتى نقتلع الإرهابيين، ونوقف الإرهاب والتطرف بكل أشكاله فى مصر.. هى جريمة تشبه، إلى حد كبير، جريمة الخسة والندالة التى ارتكبتها إسرائيل فى اعتدائها على أطفال مدرسة بحر البقر بعد هزيمة 1967، وغياب الدفاعات الجوية المصرية التى لم تستطع أن تردع العدوان وتوقفه، بعدها تحركت كل الدفاعات والقدرات المصرية لحماية أجوائنا، فوقف العدوان، وتحركت منصات الصواريخ التى أوقفت العدوان، ثم كان بعدها التحرك المصرى بحرب شاملة لاسترداد الأرض والنصر فى أكتوبر 1973.
جريمة الجمعة 24 نوفمبر 2017 هى نقطة فاصلة، وأعتقد أن أهل المروءة، وهم أهل مصر، قد تحركوا وأرسلوا الرسالة فى احتفال مصر بالمولد النبوى الشريف، مولد نبى الرحمة على لسان رئيسهم باستخدام كل القوة بالتعبير العسكرى (القوة الغاشمة) بكل الأسلحة لمواجهة الإرهابيين واجتثاثهم من سيناء، وتكليف الجيش والشرطة بالمهمة، وفى نفس الوقت كانت عين مصر الساهرة تدرك أن اقتلاع الإرهابيين وحده لا يكفي، ولكن الانتقال بحياة أهالى شمال سيناء من البداوة أو القرى إلى المدنية، عبر قول الرئيس السيسى ببناء مدينة فوق بئر العبد، لتكون نقطة الضوء.
إن رسالة الإرهابيين، ومحاولتهم تخويف المصريين، وترويعهم عبر استيراد الأساليب الإرهابية القادمة من خارج حدودنا، والتى نقلت من حروب الدواعش وأخواتها فى سوريا والعراق وليبيا، سوف تتوقف فى الحدود المصرية، وأن صحراءنا وكل قرية من قرانا ستصبح مدينة حديثة.
هذا الرد المصرى الصريح قد أثلج صدور المصريين، وأدركوا أن كل محاولات الإرهاب لزعزعة بلادنا، تصبح نقاط ارتكاز للتغيير والتحول نحو بناء الدولة الحديثة، ودفع تكلفتها، ليس من مواردنا فقط، ولكن بدمائنا ورغبتنا فى الحياة والتطور والنمو. ومن حيث أراد الإرهابيون تخويفنا فقد نقلنا الرسالة على رءوسهم وإذا كان الجيش والشرطة والدولة تحركوا، فيجب أن يكون هذا التحرك عملية مجتمعية شاملة، فهزيمة الإرهاب ليس عملية طارئة، ويجب ألا تكون مرتبطة بحادث آن. رغم بشاعته، بقدر ما يجب أن تكون إستراتيجية مبنية على معطيات، تؤكدها شواهد على الأرض. وإذا كنا نقول، بكل ثقة، إن خطط الإرهابيين فشلت فى ضرب وإثارة النعرات الدينية لإيجاد شرخ بين أبناء مصر، بعد الاعتداء على الإخوة المسيحيين، واستهداف كنائسهم فى سنوات ما بعد 2013 وحتى الآن، وإن كانت خطط الإرهابيين ومموليهم والقوة التى تستخدمهم فى الخارج فشلت فى استغلال الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها مصر، وتحملها إنسانها البسيط بكل رضا وأريحية من أجل المستقبل، فإنها سوف تفشل فى استخدام أبناء سيناء والبسطاء من القبائل والبدو فى خلق جفوة بينهم وبين الدولة. فالحادث الإجرامى البشع قد نتج عنه تلاحم قوى بين القبائل ومشايخ سيناء على استئصال التطرف والإرهاب والجريمة بكل أشكالها من بينهم، والتدافع فى المشاركة عبر المعلومة والتعاون الشامل مع الأجهزة الأمنية لكشف المجرمين والإرهابيين بينهم.. فالإرهاب لن يجعلنا نعيش. ويتشابه فى كل مكان، فنفس الجريمة ترتكب فى الموصل أو الرقة أو سرت أو درنة بل حتى فى باريس ولندن وبروكسل ونيويورك.
ونحن نعرف أن المتأسلمين والإرهابيين الجوالين ينقلون ثقافتهم عبر عالم لا يتوقف فيه انتقال المعلومات، ولكن الرد المصرى سيكون مختلفاً عما يحدث حولنا.. حشد حكومي، وشعب يرفض التعايش مع الإرهاب بكل أشكاله.. وسوف يدهش العالم من الرد المصرى على الإرهابيين وعلى الإرهاب. إن تجربتنا فى اجتثاثه فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى سوف تختلف فى القرن الحالي، فنحن نعيش الآن حالة من معالجة الجذور، والسيطرة على الخطاب المتطرف، وعدم تغذية الإرهابيين الذين تركنا لهم أولادنا سنوات طويلة يملأون عقولهم بخطاب دينى يغذى التطرف ويخلق الإرهابيين.
رسالة الحادث الأخير قد أيقظت الكثير من الضمائر الغائبة أو الكسولة، وأرى رغبتها فى التحرك السريع، ولكنها لا تريد أن تكشف عن نفسها بأنها رد فعل، بل تريد أن تكون فعلا حقيقياً على الأرض، فعلاً مصرياً يجمع بين التنمية الشاملة والحل الأمني، وفى نفس الوقت تجمع الحل السياسى والتعليمى والثقافي. كانت قمة جبل الجليد فى حادث بئر العبد أول رد علنى ببناء مدينة حديثة لأهالى شمال سيناء، وتحرك عسكرى شامل لاجتثاث الإرهابيين، وعلينا أن نحافظ على الصحوة التى حدثت بعد جريمة مسجد الروضة، ونجعل جذوتها تشتعل دائما، حتى تكون خطا فاصلا لكل المصريين عما قبلها فى كل مجالات حياتنا، ولا ننسى ضحاياها يوماً، لأن دماءهم الذكية حولت الناس وغيرت واقعنا، وأوجدت تحولاً كبيراً سنترك الأيام تتحدث عنه.