المصريون
جمال سلطان
ضبابية حالة الفريق أحمد شفيق في القاهرة
بعد مرور قرابة أربعة وعشرين ساعة على اختفاء الفريق أحمد شفيق في القاهرة عقب وصوله إليها قادما من الإمارات ، بثت قناة فضائية حوارا هاتفيا معه تكلم فيه عن أنه حر الحركة وأن الإمارات لم تعتقله وأنها أكرمته وفيما يخص الترشح للانتخابات قال أنه أعلن نيته خارج مصر ، وأما الآن وهو في الداخل فهو يراجع الأمر ولكنه أشار إلى أن القرار الأخير في الترشح من عدمه يحتاج إلى تواصل مع الناس ، وهذه الإشارة هي الأهم في ما قاله أمس ، لأن التواصل مع الناس يعني تجديد النشاط السياسي وعقد المؤتمرات واللقاءات الحزبية والجماهيرية ، فهل قال شفيق ما قاله هنا وهو يعنيه تماما ، هذا مهم جدا لمعرفة الوجهة .
حديث شفيق الهاتفي أثار شكوكا ولم يزل الغموض ، لأنه إذا كان الرجل هنا في القاهرة ، وحوله كل هذا الجدل والصخب والشكوك ، فكيف عجزت عشرات القنوات الفضائية عن زيارته وإجراء حوارات معه أو استضافته في أي استديو على الهواء ليتكلم ويطمئن الناس على أنه "بخير" وأنه "حر الحركة" فعلا ، لقد سافر وائل الإبراشي إلى باريس من أجل أن يجري حوارا مع المهندس نجيب ساويرس عندما كان شبه لاجئ خارج مصر أيام حكم مرسي ، فكيف اكتفى بمكالمة هاتفية مع شفيق وهو بجواره في القاهرة ، إنه صيد إعلامي من الوزن الثقيل لو استضافه ، أم أن الإيراشي التزم حدودا رسمت له في الموضوع ، أو أن آخرين رتبوا الأمر كله وفق اتفاق مسبق ، أعتقد أن الشكوك ستظل مطروحة وبقوة .
لم يتحدث شفيق عن "مفاصل" أزمته ، هل كان ممنوعا من السفر بالفعل في الإمارات ، وهل كان يرتب للسفر إلى فرنسا كما أعلن ، ولماذا غيروا وجهته إلى القاهرة ، وهل هو الذي اختار هذه الوجهة ، ولماذا لم تعد بناته وأسرته معه على الطائرة الخاصة ، ولماذا استبقوهم هناك رغم أنهم خرجوا من القاهرة يوم خروجه وبصحبته ، كما أن هناك أسئلة أخرى لاحقة تتعلق باختفائه تماما طوال أربع وعشرين ساعة منذ وصوله إلى القاهرة ، أين كان ، ومن قابل ، وإذا لم يتم التحقيق معه كما قال ، فما هي الحوارات التي تمت ، أم أنها غير قابلة للإعلان ، ولماذا عجزت أسرته عن الوصول إليه طالما كان حرا ، ولم تفلح اتصالاتهم به طوال تلك الفترة ، فيما كان مشغولا ، ولماذا انقطع عن العالم يوما كاملا رغم أن الملايين يسألون : أين الفريق شفيق ؟ .
شفيق ليس ناشطا سياسيا ، شفيق رجل دولة ، وحسابات رجل الدولة تختلف عن حسابات الناشط السياسي ، رجل الدولة حساباته تنعقد على قدرته على التواصل مع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وأدواتها ومراكز القوى فيها وليس مع الشارع والميادين ، لذلك ، أغلب الظن أن شفيق لن يتكلم ، ليس بسبب الضغط النفسي عليه باحتجاز بناته في أبو ظبي كما يذهب البعض ، وإنما لأن حسابات قد جرت ـ وربما ما زالت تجري ـ منذ لحظة قدومه ونقله في موكب أمني عالي المستوى إلى جهة مجهولة ثم إلى الفندق ، وهذه الحسابات لن يكون بمقدرونا معرفتها إلا برصد تطورات حركة شفيق على الأرض ، والمدى الذي سيصله في حراكه ، إذا تحرك ، والمساحة التي ستترك له للتواصل مع حزبه ومع الناس .
ردود الفعل في الإعلام الرسمي والإعلامي الموالي للأجهزة المختلفة ، وهو مؤشر مهم على توجهات أعلى هرم السلطة ، فيها قدر واضح من التباين ، ما بين إبداء الاحترام لشفيق ووقف الهجوم الشخصي عليه وإعادة التأكيد على حقه في الترشح ، وبين توجهات أخرى عنيفة ضد شفيق وتجريح شخصي واتهام للذمة وتهديد له بالسجن ، وهذا التباين في "مرآة" السلطة ، ربما يعكس تباينا في وجهات النظر تجاه موضوع شفيق بين أكثر من جناح .
وأيا ما كانت الوجهة ، وأيا ما كان وضع شفيق بعد عودته إلى القاهرة ، وسواء أكد نيته الترشح أم ألغاها ، فإن القنبلة السياسية التي فجرها أحدثت نتائجها بالفعل ، وحفرت أخاديد في الحياة السياسية المصرية لن تردم ، ووضعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والنظام كله أمام تحديات سياسية وأخلاقية كبيرة ، وهناك ما يشبه الإجماع على أن شفيق إذا شارك في الانتخابات فسيفوز وبنسبة كبيرة ، وأما إذا لم يشارك فإنه سيكون من الصعب إقناع أحد داخل مصر أو خارجها بأن هناك انتخابات رئاسية حقيقية جرت ، وهذا سيكون خصما كبيرا جديدا من الشرعية التي ما زال النظام يعاني فيها طوال خمس سنوات مضت .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف