الدستور
د. رائد العزاوى
اليمن ما بعد مقتل على عبدالله صالح
مر اليمن خلال السنوات السبع الماضية بحالة من التقلبات الجيوسياسية بالإضافة إلى حالة من الانقسام العرضي فى الهيكلية الاجتماعية التي ظهرت واضحة أنها مستقطبة بين تيارات مختلفة، وهذا ما عرفه اليمن طيلة تاريخه منذ نهاية الاحتلال الانجليزي والحروب الحروب الداخلية التي استمرت حتى استطاعت الجبهة القومية للتحرير وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل من وضع أولى لبنات الدولة اليومية الحديثة، رغم أن كلا القسمين اليمن الشمالي الأكثر توجه نحو العرب والغرب واليمن الجنوبي الماركسي المدعوم من الاتحاد السوفيتي آنذاك.
كان حلم الوحدة اليمنية هدفًا لكلا النظامين فى الشمال والجنوب منذ ستينيات القرن العشرين وكلا الجمهوريتين أنشئتا مؤسسات خاصة لشئون الوحدة ولكن اختلاف النظام السياسي والاقتصادي كان عاملا معرقلًا وهو العامل الرئيس، بينما كانت هناك عوامل أخرى مثل رفض عدد من مشايخ القبائل وحلفائهم من القوى المحافظة للوحدة مع اليمن الجنوبي ولكن التغييرات الداخلية والخارجية الطارئة ساعدت على قيام الوحدة اليمنية.
وتم إعلان الوحدة رسميا فى 22 مايو 1990 وقيل إن للرئيس العراقي صدام حسين دور مهم فيها واعتبار علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض نائب لرئيس الجمهورية اليمنية، لم تستطع أي من الدولتين اليمنيتين فرض نظامها ورؤيتها على الآخر فقامت الوحدة السياسية قبل دمج المؤسسات العسكرية والاقتصادية.
اليمن فى خضم ما يسمى الربيع العربي
عمت مظاهرات شعبية فى عموم مدن اليمن للتنديد بالبطالة والفساد الحكومي وعدد من التعديلات الدستورية التي كان ينويها علي عبد الله صالح، الذي اليمن لمدة 33 سنة واستأثر أقاربه وأبناء منطقته بمناصب مهمة وحساسة فى الدولة وخرج ما يقارب 16،000 متظاهر فى 27 يناير تنديدا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلاد وأعلن صالح أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن يورث الحكم لأبنه أحمد فى 2 فبراير، لكن وفى نفس اليوم تظاهر 20،000 شخص فى الميادين العامة بصنعاء مطالبين هذه المرة برحيل صالح.
استمر الآلاف من المتظاهرين فى شوارع صنعاء وعدد من المدن اليمنية لكن شهر مارس كان الأسوء حيث قتل نحو 100 من المتظاهرين بعد ان أطلقت عليهم قوات صالح النار بينما أصيب المئات، وهنا تدخلت دول الخليج العربي لوقف العنف فطرحت مبادرة خليجية سرعان ما قامت قطر بالانسحاب من المبادرة ودعت قطر صالح إلى التنحي فورًا وانسحب القطريون من المفاوضات معلنين أن علي عبدالله صالح يماطل فى توقيع المبادرة الخليجية ولكنهم رأوا أن السعودية ليست متحمسة بقدرها لرحيل علي عبدالله صالح فانسحبوا ليضغط الأميركيون على الرياض. تم تفجير مقر قيادة الرئيس صالح فى 3 يونيو ،2011 ولكنه نجا من الموت وتوجه إلى السعودية لتلقي العلاج. وقع علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية فى بعد عام من الاحتجاجات خلفت أكثر من 2،500 قتيل 23،000 إلف جريح.
الحوثيون يتجهون للسيطرة على اليمن
بدأت حركة الحوثيين الانتشار والتوسع منذ ثورة الشباب اليمنية حيث ان الحوثيين ساهموا فيها وقاموا بالسيطرة على محافظة صعده والعديد من المعسكرات فيها وبدأوا بالتوسع نحو محافظة الجوف المجاورة لها، وبعد توقيع القوى السياسية الرئسية فى اليمن على المبادرة الخليجية انتهج الحوثيين سياسة المعارضة للحكومة مما ساهم فى زيادة شعبيتهم فى اليمن حيث أنهم لم يكونوا طرفًا فيها ولم يكن لهم وزراء فى حكومة باسندوة المكونة حسب أتفاق المبادرة الخليجية بالرغم من وجود وزيرًا للدولة فى الحكومة محسوب على جماعة الحوثيين وهو حسن أحمد شرف الدين وقرر الحوثيين المشاركة فى مؤتمر الحوار الوطني فى مارس 2013 وساند الحوثيين الحراك الجنوبي وأبناء المحافظات الجنوبية ودعموا القضية الجنوبية فى مؤتمر الحوار الوطني حيث رفض الطرفين مشروع الدولة الإتحادية ذو السته الأقاليم.
لم يتجه الحوثيين نحو إقامة أي تحالفات داخلية معلنه وواضحة ورسمية مع أي مكون سياسي أو ديني فى اليمن، غير ان هناك بعض التقارير والأخبار عن تحالف بين الجماعة وبين الرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ اندلاع الحرب فى محافظة عمران بين الجماعة وخصومهم السياسيين فى حزب التجمع اليمني للإصلاح والقبليين من قبيلة حاشد وأبناء الشيخ عبدالله الأحمر والعسكريين المواليين للواء علي محسن الأحمر، الذين ساهموا فى ثورة الشباب اليمنية ضد نظام علي عبدالله صالح، ونتج عن ذلك التحالف سيطرة الحوثيين على محافظة عمران، وسهل لهم السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء.
مع أن ذلك التقارب ليس قائمًا على أساس التقارب بين الطرفيين فى الأيديولوجيات أو التوجهات، إنما لتحقيق مصالح مشتركة للطرفين ونكاية بخصومهم حزب التجمع اليمني للإصلاح والعسكريين ممن أعلنوا تأييدهم للثورة الشبابية ضد علي عبد الله صالح وأسسوا تحالف موسع "أنصار الثورة الشبابية" واعتبر عبدالملك الحوثي إن صالح جزء من النظام السابق، وإن "صالح بات أضعف مما كان عليه فى الماضي ولم يعد لديه قدرة لإحداث مثل هذه التغييرات، وبيننا وبين قيادات المؤتمر تواصل مستمر، والتنسيق السياسي مع الجميع وسيكون حتى مع حزب الإصلاح إذا أراد ذلك عبد الملك الحوثي وبعد تعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسا للوزراء رفض الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة صالح ذلك، ووصف المؤتمر بن مبارك بالمتطرف ووصف "عبد الملك الحوثي" تعيين ابن مبارك بالـ"قرار الخارجي".
عام 2014 عام كاشف لحقيقة اليمن المتقلب
لم يكن تاريخ اليمن بالتاريخ الذي يستطيع إي باحث سياسي قراءته بشكل دقيق لأسباب كثيرة اغلبها تكمن فى النظام القبلي الذي يسود المجتمع اليمني وانفراط عقد السلاح المنتشر فى عموم اليمن والذي اوجد نوعا من الاكتفاء الأمني للقبائل فى عموم اليمن، ضيف على ذلك أن المناخ التآمري والاستقطاب للخارج كان سما سائدة شوشت كثيرا على شكل المشهد السياسي، فحتى الاحزاب الكبرى لم يكن تكن ذات تاثير فى المجتمع ولم تستطع اخراج قيادات سياسية قادرة على إحداث حركا سياسيا يؤسس لمناخ سياسي صحي، فرغم الفرص الكثيرة التي اتيحت امام اليمنيين لبناء دولة حديثة بمقومات الدول الحديثة لكن البلاد ضلت اسيرة التجاذبات الإقليمية والتجاذبات القلبية والدينية.
سيطر الحوثيون وبدعم واضح من إيران التي صعده وعمران وضخت اسلحة كبيرة لهم وحصولوا على اسلحة مهمة ومتطورة وصواريخ وعربات وفى 21 سبتمبر، اقتحم الحوثيون مقر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها علي محسن الأحمر وجامعة الإيمان، ولكنهم يتوقفوا هناك بل سيطروا على مؤسسات أمنية ومعسكرات ووزارات حكومية ومنشآت هامة فى وسط العاصمة دون مقاومة من الأمن والجيش، واقتحموا قصور علي محسن الأحمر وحميد الأحمر. وجرى بعدها التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية بين "أنصار الله" والمكونات السياسية الاخرى ونقل الحوثيون ترسانة عسكرية من مقر الفرقة الأولى مدرع إلى مكان مجهول وهو مايعيد التساؤل حول طبيعة أنصار الله كـ"تنظيم"، فهم أشبه باتحاد قبلي كبير يضم أطيافا متعددة تقاتل لغايات مختلفة وبالكاد يسيطر "عبد الملك الحوثي" على "القيادات الميدانية" فالقيادة المركزية ضعيفة وليست هرمية وواضحة.
هرب الرئيس عبد ربه منصور هادي الى عدن ومنها الى المملكة العربية السعودية بينما اعتقل الحوثيون زير الدفاع اللواء محمود الصبيحي وأعلنوا للمرة الأولى تحالف مع علي عبدالله صالح رغم تسليم صالح للسلطة ظل لاعبا أساسيا على الساحة اليمنية، فقد ساهمت قوات من الحرس الجمهوري السابق، والتي كان يقودها نجله أحمد وتدين بالولاء له فى القتال مع الحوثيين ودعمهم بشكل كبير، ورفضوا أوامر القادة العسكريين الموالين للرئيس عبدربه منصور هادي حتى استطاع الحوثيون احتلال صنعاء وهرب هادي إلى عدن.
ما دفع المملكة العربية السعودية ودول اخرى لتشكيل تحالف دولي اطلق على العمليات العسكرية "عاصفة الحزم" هو الاسم الذي استخدمته السعودية، للإشارة للنشاط العسكري المتمثل أساسا بغارات جوية ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) وعلي عبدالله صالح المتحالف معهم والقوات الموالية له، والتي شنها تحالف من عشر دول وبقيادة السعودية، ضم التحالف رسميا إلى جانب السعودية من البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب والسودان والسنغال. أطلقت السعودية على العمليات اللاحقة لـ21 أبريل 2015 اسم "عملية إعادة الأمل".
الرصاصة التي قتلت صالح
لكن الايام الماضية شهدت تصاعدا حادا للخلافات والتهديدات بين صالح والحوثي إثر اتهام الأخير للرئيس اليمني السابق بـ"الاتفاق سرا" مع التحالف العربي بقيادة السعودية للانقلاب على الحوثيين وإدخال أنصاره القبليين إلى العاصمة صنعاء، بغرض السيطرة عليها وفك الارتباط مع الجماعة وقد رحب التحالف بقيادة السعودية بعرض الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الحوار.
وقال بيان للتحالف: إن قرار "استعادة حزب المؤتمر الشعبي فى اليمن زمام المبادرة وانحيازهم لشعبهم سيخلص اليمن من شرور الميليشيات الطائفية الإرهابية التابعة لإيران"، فى إشارة إلى الحوثيين.
وأكد البيان على "وقوف التحالف بكل قدراته فى كافة المجالات مع مصالح الشعب اليمني للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي فى إطار الأمن العربي والإقليمي والدولي".
وكان صالح، قد أعلن أنه منفتح على الحوار مع التحالف الذي تقوده السعودية فى اليمن، الذي تقاتله قواته المتحالفة مع المتمردين الحوثيين منذ ثلاث سنوات ودعا فى كلمة تلفزيونية دول الجوار إلى "فتح صفحة جديدة " حاضا التحالف على وقف الهجمات ورفع الحصار عن شمال اليمن وكانت هذه الكلمات كفيلة بقتل صالح على يد الحوثيين.
ماذا بعد مقتل صالح
كان يوم الاثنين 4 نوفمبر 2017 نهاية دامية لصالح لكنه كما يبدو بداية اكثر خطورة على اليمن، فكل المؤشرات تقول ان حزب المؤتمر الذي كان يقوده صالح سينقسم الى مؤيد للحوثي ومستقطب من السعودية بينما بقية احزاب الحراك الجنوبي قد تلجئ فى لحظة ما الى بناء كيانات سياسية اكثر ابتعادا عن القطب السعودي، ما تزايد نفوذ جماعة الاخوان المسلمين فى السعودية " حزب الاصلاح " الذي ظهر بشكل واضح تامره لصالح ايران وجماعة الحوثي.
بينما لا زالت قوة قبلية كبيرة فى اليمن تحاول ان تتلمس طريقها نحو احد الاقطاب " الحوثي " او " السعودية " فعلى سبيل المثال لاتزال قبائل كبيرة مثل قبائل الـ احمر، مذحج‏، وزبيد، وارحب ودهم " كلها بلا استثناء قبائل قابلة قيادتها للاستقطاب وهذا ما يفسر بشكل جلي لماذا قلب صالح الطاولة على الحوثيين،فقادة وزعماء القبائل من طمأنة صالح بأنهم معه فى حال انقلب على عبد الملك الحوثي.
لكن ايران والاموال التي ضختها فى اليمن كانت ولاتزال اقوى بكثير من أموال الخليج فمعظم محافظات اليمن لم تنتفض ضد الحوثي لاسباب كثيرة ابرزها المال والسلاح المتوفر بيد الحوثيون زد على ذلك انفراط قوة الجيش اليمني بعد الضربات الكثيرة التي تلقاها بسبب ولاء قوات النخبة "الحرس الجمهوري" لصالح علي عبدالله صالح.
لكن المخرج السياسي فى اليمن لن يمر دون صوت الرصاص، فمن المتوقع أن تنتفض الكثير من المدن والمحافظات ضد الحوثيين فى حال وجدوا أن لهم حاضن إقليمي وحاضن داخلي خصوصا أن عملية قتل صالح تعتبر جريمة قبلية فى العرف العشائري اليمني.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف