لم يأت التكليف، الذى وجهه السيد رئيس الجمهورية للقوات المسلحة والشرطة بالعمل على تطهير محافظة شمال سيناء من فلول الإرهاب خلال ثلاثة أشهر من فراغ.. ولكنه جاء مدروسًا من كافة الأبعاد.. الأمنية والاجتماعية تحديدًا.. فالرئيس بحكم عمله فى إدارة المخابرات الحربية ثم وزارة الدفاع لا يتحدث إلا عندما يمتلك أدوات التنفيذ والأساليب التى سوف تتبع لتنفيذ تلك التكليفات التى أصدرها سيادته.
وأعتقد أيضًا أن اختيار الرئيس تلك المناسبة الكريمة، وهى الاحتفال بالمولد النبوى وفى وجود رجال الدين من الأزهر والأوقاف كان فى قمة التوفيق، حيث كانت كلمتا فضيلة شيخ الأزهر ووزير الأوقاف تمثلان تأييدا صريحًا ومعلنًا للعالم بأسره على وقوف علماء الأزهر والأوقاف ورجال الدين مع الدولة فى حربها الشرسة ضد الإرهاب.
من ناحية أخرى، فإن تحديد فترة الأشهر الثلاثة – من وجهه نظرى- كان متفقًا عليها، حيث إنه فى نهايتها تكون الفترة الرئاسية الأولى للسيد الرئيس قد قاربت على الانتهاء لتبدأ فترة جديدة بإذن الله تشهد قدرًا كبيرًا من ثمار تلك المشروعات العملاقة، التى تمت فى الفترة الأولى، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والسلام، الذى نحلم به جميعًا.
ولكن يجب أن نسأل أنفسنا فى أعقاب هذا التكليف: هل سوف نترك الجيش والشرطة وهما يمثلان الجانب أو الحل الأمنى للقضاء على الإرهاب فى محافظة شمال سيناء بمفردهما؟.. أم يجب أن تكون هناك عوامل مساعدة أخرى تقدم من كل هيئة أو جهة أو شخص يجب أن يكون له دور فى تلك المواجهة.
تعلمنا خلال سنوات عملنا فى الأجهزة الأمنية أنه لا توجد دولة فى العالم، مهما بلغت درجة تحضرها أو تقدمها، تحظى بالأمن بنسبة ١٠٠٪ حتى ولو كانت فى الدول الهادئة.. فما بالك بتلك المنطقة الملتهبة من العالم، وهى منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.. ومصر بصفة خاصة والتى بالفعل تحارب الإرهاب نيابة عن العالم.. وهو ليس إرهاب فرد.. بل إرهاب دولى ومخابراتى على أعلى مستوى.. ومن هذا المنطلق فإننا لا نتوقع أن يتم القضاء على الإرهاب بشكل كامل خلال الفترة التى حددها الرئيس.. ولكن بلا شك سيكون هناك انحسار كبير للإرهاب.. وهدوء نسبى سوف يسود تلك المحافظة.. ولعل ذلك يدفعنا إلى مناشدة جميع الأجهزة المعنية أن تؤازر الجيش والشرطة فى المهمة المقدسة، التى كلفهما بها الرئيس وهى إعادة الأمن والسلام والطمأنينة لأهالى هذه المنطقة.
لقد كان لزيارة فضيلة شيخ الأزهر والدكتور وزير الأوقاف وفضيلة المفتى لقرية الروضة وأداء صلاة الجمعة فيها.. وتلك الكلمات التى تحدث بها شيخ الأزهر أثر كبير فى نفوس أهل هذه القرية الآمنة.. ولأول مرة يصل عدد المصلين بهذا المسجد حوالى عشرة آلاف شخص.. جاءوا ليعلنوا عدم خوفهم من تلك العمليات الجبانة التى يقوم بها هؤلاء الإرهابيون.. وعندما أعلن فضيلته أن من قاموا بهذا العمل الإرهابى هم خوارج هذا العصر.. نزلت على قلوب الجميع بردًا وسلامًا لأنه بذلك أكد لكل المشككين فى ضعف دور المؤسسات الدينية فى مواجهة تلك الجماعات أن الأزهر ورجاله والأوقاف ومسئوليه يقفون بالمرصاد لكل من يحاول إيقاع الفتنة الدينية بين أبناء الوطن الواحد.
١- لعل تلك الزيارة تكون بداية لأنشطة نوعية وتوعوية تساهم فيها كل مؤسسات الدولة، بما فيها جمعيات المجتمع المدنى، التى جاءت لها الفرصة لتثبت لنا أنها لا تعمل وفق أجندات وتمويلات خارجية بل هى جمعيات وطنية هدفها الأساسى هو الإنسان المصرى البسيط.
٢- أيضًا أرى ضرورة أن تتخلل هذه الفترة بعض الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، التى يشارك فيها أهالى هذه المحافظة والتى تحاول بعض الأقلام والإعلام المأجور أن يصور أنها أصبحت منطقة معزولة عن العالم.
٣- أتمنى أن يكون لوزارة الشباب دور فعال فى تنظيم رحلات شبابية وطلابية لمحافظة شمال سيناء ومدينة العريش خلال إجازة نصف العام التى تتخلل الفترة التى حددها السيد الرئيس حتى لا يتصور العالم الخارجى أننا جعلنا شمال سيناء قطعة من جهنم من خلال مواجهة الإرهابيين المحيطين بها.. بل هى محافظة يعيش أهلها بشكل طبيعى ويمارسون حياتهم وعملهم اليومى كما هو معتاد.. وها هى القوافل الطلابية تأتى إليها من الجامعات المختلفة لزيارة مدنها الباسلة وتدعيمًا لأهلها الأبطال.
٤- إن الإعلام عليه – وبحق – أن يتحمل مسئولياته بكل اهتمام واحترافية بين أبناء سيناء بشتى الوسائل التى تجعلهم دائمًا يشعرون بأنهم محور اهتمام الشعب المصرى بأكمله.. من خلال برامج ثابتة موجهة من هناك، ولنقترح اسمًا لها «صباح الخير يا سيناء» مثلًا يتم فيها استضافة أهالى المحافظة، يعرضون مشاكلهم على المسئولين من خلال هذه البرامج... ثم متابعة حلها وإعلانها فور إيجاد حلول لها.
٥- والأكيد أن هناك من هم أجدر منى بطرح حلول غير تقليدية تعكس مدى اهتمام الدولة بهذه المحافظة.. والذى سوف يؤدى بالفعل إلى تشجيع ودفع أهالى هذه المحافظة التى تقدم الدعم الكامل للجيش والشرطة فى مهمتهم المقدسة وذلك من خلال المعلومات والأشخاص الذين هم محل اشتباه ويجب أن يتم فحصهم بمعرفة الأجهزة الأمنية المختلفة.
فى النهاية أردت أن أقول إن المهلة التى حددها الرئيس لجعل شمال سيناء بلدًا آمنًا والتى كلف بها الجيش والشرطة للتنفيذ.. لا بد لكى تجنى ثمارها بشكل أكثر إيجابية أن تتضافر جهود جميع أجهزة الدولة وأهالى سيناء وما حولها لتحقيق ذلك.
الحل يا سادة ليس حلًا أمنيًا فقط بل هى مجموعة حلول سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ودينية.
إنها دعوة لجميع مؤسسات الدولة أن تتحمل مسئوليتها التاريخية تجاه تحقيق أمن وسلام أهلنا فى شمال سيناء وأن تسهم فى تحقيق ذلك بكل ما تستطيع.. كل فى اختصاصه، ووفقًا لإمكانياته..
وتحيا مصر.