الوطن
د. رمضان أبوالعلا
استرداد الحقوق المصرية.. أهم شرط لاستيراد الغاز الإسرائيلى
لقد تناولت وسائل الإعلام مؤخراً تصريح المهندس طارق الملا، وزير البترول، بخصوص شروط استيراد مصر للغاز الإسرائيلى، وذلك فى سياق لقاء سيادته مع الصحفيين المصريين يوم السبت الموافق 11 نوفمبر، حيث ذكر سيادته عدة شروط لذلك؛ أهمها تسوية قضايا التحكيم الدولى المرفوعة ضد مصر، وأيضاً مراعاة أبعاد الأمن القومى، هذا بالإضافة إلى تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى وإحداث توازن اقتصادى.. وهذا تصريح دبلوماسى بامتياز لأنه ترك الباب مفتوحاً لإضافة شروط مصرية جديدة.. أعتقد أن أهمها استرداد الحقوق المصرية لدى إسرائيل، التى سنُوضح تفاصيلها لاحقاً فى هذا المقال؛ حيث إننى مهتم بهذا الملف منذ حصولى على جائزة الدولة عن الأبحاث العلمية المتعلقة باكتشافات الغاز فى شرق البحر المتوسط عام 92، وازداد اهتمامى بعد الرسالة التى أشرفت عليها بعنوان (اقتصاديات تصدير الغاز المصرى والبدائل المتاحة)، التى تم نشرها عام 2004، لذلك وجدت لزاماً علىّ أن أوضح بعض التفاصيل لمتخذ القرار النهائى فى هذا الشان، التى تتعلق بملابسات الحكم الصادر ضد مصر، وكذلك الحقوق المصرية لدى إسرائيل والمسكوت عنها من الحكومات المصرية السابقة، لأن الظروف الحالية مناسبة تماماً للمطالبة بها.

(أولاً).. فى ما يتعلق بالحكم الصادر لصالح إسرائيل بتغريم مصر 1.76 مليار دولار؛ سوف نتناول الأسباب الخفيّة وغير المعلنة لصدور هذا الحكم، ومدى توافقه مع القوانين والأعراف الدولية. وما يؤكد الشكوك حول مصداقية هذا الحكم أن إسرائيل رفعت الدعوى فى أكتوبر 2011، ولم يتم إصدار الحكم إلا بعد أربع سنوات وبعد 10 أيام تقريباً من الإعلان عن بدء بعض الشركات المصرية الخاصة فى عمل مفاوضات لاستيراد الغاز الإسرائيلى، وذلك يؤكد أن هناك مخططاً لعمل إرهاب معنوى للمصريين والضغط عليهم، للموافقة على استيراد الغاز الإسرائيلى، مقابل تنازلها عن الغرامة، وتكون الموافقة المصرية على استيراد الغاز الإسرائيلى مقبولة أمام الرأى العام فى مصر.

وفى هذا السياق تجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعض الشركات العالمية التى ضخّت استثمارات ضخمة فى مصنعى الإسالة فى إدكو ودمياط ترغب فى إعادة تشغيلهما باستخدام الغاز الإسرائيلى، حيث إنهما واجها نقصاً حاداً فى إمدادات الغاز الطبيعى المصرى منذ عام 2012 مما تسبّب فى خسائر فادحة لتلك الشركات التى نذكر منها «بى جى» الإنجليزية، و«جاز دى فرانس» و«بتروناس» و«يونيون فينوسا» الإسبانية، وفى محاولات حثيثة من تلك الشركات لإعادة تشغيل المصنعين المشار إليهما وقّعت الشركة الإنجليزية اتفاقاً مبدئياً مع الشركاء فى حقل الغاز الإسرائيلى العملاق «ليقياثان»، من أجل تصدير غاز ذلك الحقل من مصنع الإسالة بإدكو، كما وقعت «يونيون فينوسا» الإسبانية خطاباً أولياً مع شركة «نوبل إنرجى» الأمريكية التى تمتلك 36% فى حقل «تمار» الإسرائيلى لتوريد الغاز إلى مصنع الإسالة بدمياط، هذا بالإضافة إلى توقيع شركة قابضة مملوكة لمجموعة من رجال الأعمال المصريين اتفاقاً أولياً لضخ الغاز الإسرائيلى إلى مصر. من ناحية أخرى تسعى الشركات الأمريكية والإسرائيلية العاملة فى مجال استخراج الغاز فى إسرائيل إلى التوصّل لاتفاق مع مصر يسمح لها بتصدير ما ستنتجه من غاز عبر محطات تسييل الغاز المصرية.. ويتسارع هذا السعى لكى يكون منطقياً استباقاً لبدء إنتاج الغاز المصرى من حقل ظهر.. وقد ضغطت جميع الأطراف السابقة على الإدارة الأمريكية للضغط على مصر من أجل التوصّل إلى اتفاق بين مصر وإسرائيل.. لذلك كانت زيارة آموسى هوشستين، منسق شئون الطاقة بوزارة الخارجية الأمريكية، لمصر فى 19 أبريل 2016، التى ركزت بشكل أساسى على تسوية الخلافات المتعلقة بملف الغاز بين مصر وإسرائيل، بحيث يتم السماح لإسرائيل باستخدام البنية التحتية المصرية فى قطاع الغاز (الخطوط ومصنعى الإسالة)، مقابل تسوية مسألة الغرامة المقرّرة على مصر لصالح إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أننى توقّعت هذا السيناريو قبل حدوثه بنحو خمسة أشهر، حيث أدليت بتصريح تم نشره بالصفحة العاشرة بجريدة الجمهورية بتاريخ 10 ديسمبر 2015 كان بعنوان «محاولة غربية لإجبار مصر على استيراد الغاز الإسرائيلى» أكدت من خلاله أن الهدف الأساسى للحكم الصادر ضد مصر هو فى الحقيقة إرهاب معنوى لمصر والضغط عليها لكى تسمح باستيراد الغاز الإسرائيلى وتحقيق مصالح إسرائيل وشركات البترول العالمية؛ وفى رأيى أنه لا مانع من تحقيق تلك المصالح بالشروط التى ذكرها المهندس طارق الملا، وزير البترول، مضافاً إليها حقوق مصر لدى إسرائيل.

أما مدى ملاءمة الحكم للقوانين والأعراف الدولية، فتجدر الإشارة إلى أن شركة «إى إم جى»، التى كانت مملوكة لرجل الأعمال المصرى حسين سالم، التى تعاقدت مع الجانب الإسرائيلى حصلت على الغاز المصرى بالأمر المباشر، دون سند قانونى أو دستورى، حيث طبقاً للقانون والدستور المصرى يجب عمل مزايدة علنية أولاً لحصول الشركة على الغاز المصرى، ثم موافقة مجلس الشعب المصرى على التصدير، وهذا لم يحدث؛ هذا بالإضافة إلى أن توقف إمداد إسرائيل بالغاز المصرى قد حدث نتيجة تعرّض خط الغاز للتدمير عشرات المرات، وهو ما يُعرف بالقوة القاهرة، وهو سبب يعلمه جيداً خبراء القانون الدولى، وأعتقد أن المحكمة تغاضت عنه نتيجة الضغوط الغربية التى كان هدفها إصدار هذا الحكم الغريب لصالح إسرائيل ومساومة مصر عليه.

(ثانياً).. فى ما يتعلق بحقوق مصر لدى إسرائيل، فهى تشمل قيمة جميع ثروات البترول والغاز التى استولت عليها إسرائيل خلال فترة احتلال سيناء؛ وقد طالبت مراراً بتلك الحقوق من حكومات مصرية سابقة؛ وقد أشار إلى مطالباتى الراحل العظيم أحمد رجب فى «نص كلمة» بتاريخ 20 أكتوبر 2012، ثم لأهمية الموضوع وعدم استجابة الحكومة، أعاد نشرها مرة أخرى فى 5 يناير 2013.

ويستند حق مصر القانونى فى مطالبة إسرائيل بتعويضات عن الثروات المصرية التى استولت عليها بناءً على القانون الدولى والمعاهدات الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأهم تلك القرارات القرار رقم (3175) الذى أكد أن جميع التدابير التى اتخذتها إسرائيل لاستغلال الموارد االطبيعية من الأراضى العربية المحتلة غير شرعية، كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق الدول والشعوب العربية الواقعة أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلى فى استرداد ثرواتها أو التعويض الكامل عن الثروات التى استولت عليها واستغلتها إسرائيل.

ويمكن لمصر أن تستند إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة فى أكتوبر 1977 والمؤسس على تقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأمم المتحدة، الذى جاء فيه أن من نتائج حرب 1967 استيلاء إسرائيل على حقول البترول المنتجة فى سيناء، وهى: (أبورديس، بلاعيم، سيدرا، تيران، رأس الحكمة، عسل، مطارمة، سدر)، وقد أعلنت إسرائيل استغلالها تلك الحقول فى يوليو 1967، كما قامت برفع الإنتاج من 87 ألف برميل يومياً إلى 120 ألف برميل، وقد بلغت كمية الزيت الخام الذى استولت عليه إسرائيل 235 مليوناً و562 ألفاً و455 برميلاً كما قامت إسرائيل بالاستيلاء على 44 ألفاً و455 برميلاً كانت مخزّنة بصهاريج الشركة العامة للبترول، وبذلك يبلغ الإجمالى 235 مليوناً و606 آلاف و910 براميل، قيمتها الحالية 11.78 مليار دولار، علماً بأن الأرقام المذكورة موثقة.

لقد ورد بتقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأمم المتحدة أن الأصل فى التعويض أن يكون عينياً، أى أن على إسرائيل أن ترد ما حصلت عليه من البترول والغاز، وإذا تعذّر ذلك يكون التعويض المالى هو البديل المتاح، ويكون التعويض المادى بقيمة الثروات الطبيعية وقت الرد، وليس وقت وقوع الفعل المنشئ للتعويض، ويصل إجمالى المبلغ المطلوب بحساب متوسط سعر برميل البترول 50 دولاراً إلى 11.78 مليار دولار، بالإضافة إلى نحو 70 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعى المصاحب قيمتها نحو 560 مليون دولار.

ما سبق، أرجو أن يتم عرضه على من يتّخذ القرار فى مصر.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف