جمال سلطان
مقتل علي عبد الله صالح وتأثيره على اليمن
نجحت ميليشيات الحوثي في اصطياد حليفها السابق "الثعلب" علي عبد الله صالح ، بعد أن قرر أن يفض الشراكة بينه وبينها ، وحتى الآن لا تعرف على وجه الدقة الطريقة التي قتل بها أشهر حاكم لليمن في تاريخه الحديث ، وأكثرهم خطورة ودهاء ، والذي كان يوصف بأنه الراقص على رؤوس الأفاعي ، لكن تبقى الحقيقة أنه قتل كما قام الحوثيون بالتمثيل بجثته بصورة وحشية تليق بميليشيات طائفية زاحفة من ظلام التاريخ محاولة أو تبسط سيطرتها على بلد بحجم اليمن ، وبمقتل علي صالح تطوى صفحة من تاريخ العرب الحديث ، وليس فقط تاريخ اليمن ، كما أن مقتله سيفتح الباب أمام تحولات جديدة في الصراع اليمني .
علي صالح الذي نجح الشعب اليمني في خلعه في موجة ثورية من موجات الربيع العربي التي اجتاحت عددا من النظم السياسية في المنطقة ، أراد أن يؤدب الشعب اليمني ، وأن يرعب دول الخليج ، فقام بدعم الحوثيين في صعده وتسهيل دخولهم إلى صنعاء وسلمهم مفاتيح الدولة الحقيقية في العاصمة ، ولعب معهم عدة سنوات ، تآمرا من الاثنين على ثورة الشعب اليمني ومحاولة لاختطاف البلد ، لكن الإيرانيين لم يتركوا الفرصة واغتنموها ودعموا الحوثي بقوة من أجل صناعة "حزب الله" آخر في خاصرة الجزيرة العربية ، وخاصة خاصرة السعودية ، ودعموهم بالمال والسلاح والخبراء والجهود الاستخباراتية ، فضلا عن التسويق الإعلامي الذي تركب فيه إيران عادة أسطورة المقاومة والممانعة ، وبدا أن حلفاء علي صالح قد استقووا عليه وأن مستقبله في تلك الشراكة التآمرية مهدد ، فقرر أن يلعب لعبته الأخيرة ببيع شريكه الحوثي والتنسيق مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية ، إلا أن الحوثي نجح في اصطياده في حادث ما زال غامضا ، لتنتهي لعبته الشخصية الأخيرة ، لكن انتهاءها بتلك الصورة فتح المجال أمام تحول جديد وحاسم في اليمن .
مقتل علي عبد الله صالح والقطيعة الكاملة المختومة بالدم التي حدثت الآن مع حزب المؤتمر الشعبي ، كشف الغطاء عن البعد الطائفي الخالص لميليشيا الحوثي ، وعراه وحيدا ، مجرد تنظيم عقائدي متطرف يدين بالولاء للولي الفقيه في إيران ، وهو بهذه الصيغة أصبح مفتقرا لأي غطاء وطني أو عربي أو حتى إسلامي بمفهومه العام ، وهو ما يضعه الآن في مواجهة حقيقية مع الشعب اليمني بكل تياراته ، على المستوى المعنوي والسياسي قبل المستوى العسكري ، كما أن الحوثي ـ كجيب إيراني فارسي ـ في خاصرة الجزيرة العربية هو مشروع غير قابل للاستمرار ، ولا مستقبل له ، وأيا كانت التكاليف لإنهاء مشروعه فسوف يدفعها الخليج ، وعلى رأسه السعودية ، لأنها تكاليف مهما تعاظمت ستكون أقل كلفة من بقاء هذا الجيب المهدد لأمن المملكة القومي والذي سيمثل حتما حالة ابتزاز مزمنة ودائمة للمملكة والخليج كله ، ويكفي أنه وهو ما زال ميليشيا محاصرة ومنبوذة يهدد عواصم الخليج بالصواريخ ويتوعدهم بالتأديب ، هذا بعد بالغ الخطورة ، ويعني أن معركة الخليج معه هي معركة وجود حقيقية .
الحوثيون في اليمن هم إحدى ظواهر ومنتوجات الثورات المضادة في العالم العربي ، وقد كانت هناك أخطاء كارثية في التعامل معهم ، يدفع كثيرون ثمنها الآن ، فالحوثي عندما أراد حماية نفسه وتدشين مشروعه استدعى الرئيس السابق المخلوع الذي ثار عليه الشعب اليمني وخلعه ، وجعله حليفه ، تماما كما فعل نظيره اللبناني "حزب الله" الذي أرسل ميليشياته إلى سوريا للقتال مع الطاغية بشار الأسد وإنقاذه من ثورة شعبه ويكون شريكا له في دم الشعب السوري ووأد ثورته ، فكلا المشروعين ، كامتداد لمشروع فارسي طائفي ظلامي ، استثمروا في الثورات المضادة ، وأفادوا منها كثيرا ، وهو الأمر الذي اكتشفته عواصم الخليج متأخرا ، لكن المهم أنها اكتشفته ، وآن لتلك المشروعات الخطيرة أن تنتهي ، أيا كانت التكاليف .