الأهرام
محمد شعير
أحداثُ أيامِ الألم
هكذا - بالضبط - جرت وقائع الأحداث حولى خلال أيام الألم، بعد مذبحة «مسجد الروضة» غير المسبوقة. كم كان هذا التتالى فى الأحداث ملهما، مدهشا، وبرغم كونه مؤلما؛ لكنه جاء أيضا كاشفا!.

الجمعة 24 نوفمبر: بعد صلاة الجمعة بدأت الأنباء تتوالى؛ اعتداء إرهابى على مسجد فى سيناء. وزارة الصحة تقول إنه لا وفيات وإصابة 75 شخصا!. سترك يا رب. كيف لا تقع وفيات مع كل هذه الإصابات؟!. جلست أتابع فى قلق ريثما يستعد شقيقى ووالدتى لنتوجه معا لحضور مناسبة!.

المناسبة كانت عقد قران صديقى المهندس أحمد قدرى وعروسه شيماء. فى الطريق عرفنا -من الإذاعة- الأنباء. 57 شهيدا!. يا الله. «عقول فاسدة تؤمن بأنها تفعل الخير الذى يدخلها الجنة فتدمر أوطانا ومجتمعات»؛ عبارة قلتها بما يشبه الصراخ لوالدتى، التى تساءلت فى ذهول وألم: «أيقتلون مصلين فى بيت الله؟!».

فى هذه الأجواء؛ وصلنا إلى مقر المناسبة المفرحة!. فرحنا. المرارة فى أعماق القلوب لكننا فرحنا. أكنا بذلك هازلين أو لدماء الشهداء خائنين؟. لا أبدا. الحزن والفرح معا - عندنا- قَدَر. إنها الحياة التى ينبغى أن تستمر. بالحياة نواجه الخراب.

التقيت هناك صديقى وائل فهمى مدير إدارة التطوير بوكالة الأهرام للإعلان. عرفت أنه جاء على عجل، وسيعود إلى المتحف المصرى لمتابعة التحضير للاحتفال بمرور 115 عاما على إنشاء المتحف، الذى تنظمه الوكالة مع وزارة الآثار. ريثما كنت معه تلقى اتصالا مفاجئا من مسئول بالوزارة يخبره بتأجيل الحفل بسبب إعلان الحداد. بعد قليل أرسلت لى الصديقة الدكتورة رانيا يحيى عضو المجلس القومى للمرأة رسالة تأجيل أيضا لافتتاح وحدة مناهضة التحرش بأكاديمية الفنون. حدادٌ عامٌ فى الدولة إذن، حتى حين.

فى عقد القران؛ قابلت أيضا الصديق محمد شمروخ الكاتب الصحفى فى «الأهرام»، تحدثنا بألم عن الكارثة المفجعة، ثم توجهنا معا إلى مناسبة أخرى بدت فاصلة. ذهبنا للتصويت فى انتخابات نادى الزمالك، وهناك وجدنا مئات البشر. أكنا بذلك هازلين أو لدماء الشهداء خائنين؟. لا أبدا. إنه دورنا. إنها الحياة التى ينبغى أن تستمر. بالبناء نواجه الخراب.

السبت 25 نوفمبر: الضحايا 305 شهداء!. أنباء المواجهة الأمنية تسهم فى إطفاء الغضب. لكن جدل الأفكار اشتعل. دعوات لتسليح قبائل سيناء. أيُعقل هذا؟!. وهل أهلك أوطانا حولنا إلا عدم وحدة السلاح فى يد الدولة؟!. يالها من وصفة مثالية للحرب الأهلية!. دعوات أخرى للأزهر لتكفير التنظيمات الإرهابية. أيُقبل هذا؟!. أهى حرب تكفير أم مواجهة أمنية بيد وباليد الأخرى - لأجل الغد- تنوير؟. أنبحث عن محاكم للتفتيش؟. الأزهر يرفض التكفير لأنه لا يملكه. وعلى هذا نحن نشكره. لكننا كذلك نذكّره: لا تكفير أيضا لمفكرين!. بالديمقراطية مرتضى منصور يفوز برئاسة مجلس الزمالك الجديد لكنه يجمده. يرفض التعامل مع هانى العتال «المنتخب» كنائب له. يالها من «ديمقراطية مجمدة»!. العنف ورفض الآخر فى مجتمعنا ثقافة راسخة، ليس لدى التنظيمات الإرهابية وحدها!. محمد صلاح يحرز هدفا لفريقه «ليفربول» ويرفض بعده الاحتفال. أدى دوره لكن لم يحتفل. الإحساس نعمة إلهية يا فخر مصر.

الأحد 26 نوفمبر: الموعد الجديد لاحتفال المتحف المصرى تحدد؛ الثلاثاء، فور انتهاء الحداد. سيرسل الاحتفال للعالم «رسالة سلام». كتبت عن المناسبة على «فيسبوك»: «بالحضارة نواجه الخراب».

طلب منى الصديقان محمد المراكبى رئيس تحرير برنامج «اصحى للدنيا على راديو مصر» وأحمد منتصر مذيع البرنامج توصيلهما بمنظمى الاحتفال، لنقل رسالته المهمة فى الظرف الحالى. تلقيت بيان مكتبة الإسكندرية لإدانة الحادث. لفت نظرى تأكيد المكتبة: «أنها سوف تكثف جهودها وتسعى حثيثا إلى كشف المخططات العدوانية وتعرية الداعمين لها إقليميا ودوليا»!. لم أفهم العبارة. أهذا دور المكتبة أم النيابة؟!.

الإثنين 27 نوفمبر: طفل صغير ظل يستعطف أحد مجرمى الحادث برعب: «عمو عمو.. أنا ماعملتش حاجة» فردّ عليه برصاصة فى رأسه؛ معلومة قرأتها وقتلتنى، نقلها موقع «الفجر» وذكرها الصديقان عمرو الفار ومحمد ماهر فى «الأهرام». اتصلت بى قارئة من بورسعيد تشرفنى بالمتابعة منذ زمن؛ السيدة ريهام التفاهنى، وقالت: الم نفرح لفوز طفلى حمزة فى مسابقة بمدرسته. المرارة غلبت فرحتنا. ماذا نفعل؟. أنا خائفة. حمزة يذهب مع والده إلى صلاة الجمعة.».

قاطعتُها قائلا: «حفظه الله. لكن هذا ما يريده أعداء الحياة؛ أن ينطفئ فرحنا، أن تنكسر روحنا. دورنا فى المواجهة كشعب أن نواصل حياتنا». ولكَ أنتَ الآن أيضا أقول: الحزن والفرح معا - عندنا- قَدَر. لكنها الحياة التى يجب أن تستمر. وبهذا فقط سوف ننتصر. سوف ننتصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف