الجمهورية
صلاح عطية
نعم .. مصر عصية علي الإرهاب
قرأت هذا العنوان في صحيفة الشرق الأوسط: "مصر عصية علي الإرهاب" للزميل الكاتب رضوان السيد.. وقد رأيت فيه توصيفاً صادقاً للوضع الذي تمر مصر به منذ خمسين عاماً.. كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. وقد عبر الكاتب عن صمود مصر في مواجهة الإرهاب الغاشم.. وموجاته التي تتابعت علي مصر منذ السبعينيات من القرن الماضي.. مستهدفة اقتصاد مصر والاستثمار فيها بشكل عام.. ثم السياحة بشكل خاص..
وقد جاءت كلمات المقال المذكور بمناسبة المجزرة التي نفذها الإرهاب وسفاحوه في مسجد الروضة في بئر العبد.. وقد أشار إلي أن مصر في هذه العاصفة الأخيرة من عواصف الاستهداف للدولة المصرية أمضت حتي الآن أربع سنوات في مواجهة هذه العاصفة.. واصفاً المجموعات الإرهابية التي تنفذها بأنها مجموعات إجرامية محلية تتوالد وتتناسل.. والعناوين التي تتخذها لنفسها في كل فترة. قبلية كانت أو تحررية أو إسلامية. مصنوعة في الخارج من جانب الجهات التي تستهدف مصر وأمنها ودورها واستقرارها.. ويضيف: "لست أزعم أني أعرف كل شيء أو حتي معظم الأشياء في أدوار الجهات الخارجية وطرائق التواصل والتوصيف. وحتي الانتماء إلي داعش. فالذي أراه أنه للتعمية من جانب الجهات التي تستهدف مصر.. وربما كانت الهجمة الوحشية الأخيرة علي مسجد الروضة. علتها تعطيل المصالحة التي تقودها مصر بين فتح وحماس في غزة".. ويختتم رضوان السيد مقاله عن "مصر عصية علي الإرهاب" بقوله: "إن الأولوية الآن وإلي سنوات قادمة. هي استنقاذ الدولة الوطنية في العالم العربي".
ومصر هي طليعة هذا التوجه ليس باعتبار الحجم والدور فقط. بل باعتبار الواقع أيضاً. تتحمل مصر أعباء الكثرة السكانية. وتفاقم المشكلات الاقتصادية. لكنها أنجزت برنامجاً للخروج من الأزمات. وعاد إليها حكم القانون. وتمتلك مؤسسات راسخة. ومشكلة أعداء مصر مع هذا الرسوخ وهذه الصلابة والوطنية العالية التي يتميز بها المصريون.. بيد أن قوة مصر لا تكمن في ذلك كله فقط. بل وفي إحساسنا جميعاً. عرباً ومسلمين. بأنه لا عروبة من دون مصر. فهي داعمة الإسلام. وعلي ذلك نشأنا. وبهذه الثقة نحيا.
وفي خطابه الأخير في الاحتفال بالمولد النبوي. كشف الرئيس عبدالفتاح السيسي عن هدف الإرهاب ومن يقف وراءه. مشيراً إلي أن مصر تواجه خلال الأعوام الماضية حرباً مكتملة الأركان.. تسعي إلي هدم الدولة واستنزاف جهودها للحيلولة دون استقرار الوطن.
وكشف أن هذه الحرب "تقودها فئة تتوهم أن الشعب المصري سيتوقف عن المضي في مسيرة البناء والتنمية".. وأكد الرئيس ان تلك الفئة الباغية تدعمها قوي خارجية تمدها بالسلاح والأموال والعناصر الإرهابية.. سعياً من تلك القوي لفرض هيمنتها علي المنطقة. وإثناء مصر عن القيام بدورها الاقليمي.. الذي لا يهدف إلا لترسيخ الأمن والاستقرار وتسوية ما يشهده الشرق الأوسط من أزمات.. وبهدف أساسي هو إنهاء المعاناة الإنسانية التي أنهكت شعوب المنطقة.. وإفساح المجال لتحقيق تنمية حقيقية.. اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً".
ويشير الرئيس عبدالفتاح السيسي إشارة سريعة إلي حجم الخسائر التي كبدها الإرهاب لمصر طوال خمسين عاماً.. وهي خسارة يجب أن تتحملها الدول الراعية والداعمة والممولة لهذا الإرهاب.. في أي تسوية قادمة مع هذه الدول المارقة.. ويطلب الرئيس أن نتصور كيف كان يمكن أن يكون حال الاقتصاد المصري لو لم يتعرض لهذه العمليات الإرهابية طوال الخمسين عاماً الماضية.. وهو أمر جدير بالتوقف أمامه طويلاً.. وجدير أيضاً بأن تتولاه معاهد وجماعات البحث العلمي المتخصصة.. لأنه سيظهر مدي الخسائر الفلكية التي تحملتها مصر.. ورغم كل هذه الخسائر فإن مصر صامدة.. وسائرة في طريقها.. تثبت بالفعل انها عصية علي الإرهاب..
وقد حاولت أن أقوم بحساب مرحلة واحدة من مراحل الخسائر التي تعرضت لها السياحة المصرية منذ أحداث يناير 2011 وبما تخللها من أحداث إرهابية وجه بعضها إلي السياحة مباشرة كما حدث في تفجير الأتوبيس السياحي في منفذ طابا ثم حادث الطائرة الروسية. فوصلنا إلي أن هذه الخسائر وصلت حتي عام 2016. إلي ما يتجاوز 120 مليار دولار كخسائر مباشرة في الدخل السياحي.. دون حساب ما كان يحدثه ضخ هذا المبلغ في الاقتصاد المصري ولا دورانه في السوق الذي يحسب بثلاثة أمثاله. أي بما يعادل 360 مليار دولار.. ولا يدخل في حساب الخسائر ما خسرته المنشآت السياحية الفندقية نتيجة عدم التشغيل. ولا خسارتها للعمالة المدربة التي تسربت للعمل في مهنة أخري. أو سافرت للعمل في الخارج. وتكلفة إعادة تدريب غيرهم. كذلك لا يدخل في حساب الخسائر ما كانت تدره السياحة من عوائد للدولة وضرائب مختلفة.. أيضاً لا يدخل هذا المبلغ في حساب فرص العمل الضائعة نتيجة النقص في عدد السياح.. فطبقاً لتقديرات منظمة السياحة العالمية. فإن كل مليون سائح يوفرون فرصاً تقدر بنحو مائتي ألف فرصة عمل.. وطبقاً لحسابات الخسائر التي قدرتها في مقال نشر منذ نحو عام كان المفروض أن يصل عدد السياح إلي مصر في عام 2016 إلي نحو 36 مليون سائح.. إذا لم تكن السياحة قد تعرضت لهذه الأزمات والعمليات الإرهابية منذ عام 2011.. وهذا يعني أن يكون لدينا الآن نحو سبعة ملايين و200 ألف يعملون في السياحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. وهذا كله خسرناه. كما خسرنا دخولهم التي تضخ أيضاً في الاقتصاد القومي.. وقد تساءل الرئيس في خطاب سابق عمن يدفع تكلفة ثلاثين عاملاً في السياحة الآن تأثرت دخولهم بالإرهاب..
باختصار.. خسائرنا من الإرهاب طوال خمسين عاماً لا يمكن تصور مدي فداحتها.. وحساب هذه الخسائر أمر يحتاج إلي قيام معاهد بحثية متخصصة بحسابها وحساب الفرص الضائعة نتيجة هذا الإرهاب.. وكل هذا طبعاً بخلاف ما تتكبده الدولة في مقاومة هذا الإرهاب ودحر مخططاته..
من هنا لابد أن تتكاتف كل القوي لمواجهة جرائم هذا الإرهاب. وحماية الأجيال الجديدة من أفكارهم الهدامة وإعادة صياغة الخطاب الديني بما يكفل صيانة هذه الأجيال من الوقوع في شرك هذه الجماعات الخارجة علي كل دين.. وكما قال الرئيس السيسي في خطابه الأخير فإن مواجهة الإرهاب "وتحقيق الأمن والاستقرار هو مسئولية المجتمع بأكمله. وليس الشرطة والقوات المسلحة فقط.." كما ان المجتمع بأكمله مسئول أيضاً عن حماية أبنائه وتنوير عقولهم وتحصينها من الوقوع في الأفكار الظلامية الهدامة والتسلح بالعلم وقيم التعايش والقبول بالآخر ونشر قيم التسامح والرحمة والاستنارة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف