المصريون
جمال سلطان
قرار ترامب بخصوص القدس .. والحيطة المايلة
لم يفلح الرئيس الأمريكي ترامب في تمرير أي قرار اتخذه ، سواء كان قرارا محليا داخل بلاده أو دوليا ، لم يصدق أو يحسم أي قرار ، بما في ذلك كوريا الشمالية التي هددت بقصف عاصمته بالنووي ، والقرار الوحيد الذي مرره جزئيا هو الخاص بحظر دخول مواطني ست دول عربية وإسلامية ، وحدث بعد أشهر طويلة من التقاضي ، لكنه اليوم واضح أنه عازم على حسم قراره بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها ، ويحدث ذلك على الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربط إدارته بمعظم الدول العربية والإسلامية ، وعلى الرغم من المجاملات السياسية والاقتصادية التي نالها من العواصم العربية والإسلامية ، لكنه فيما يبدو يعتقد أن العرب هم "الحيطة المايلة" التي يمكن أن يعوض فيها إحباطاته وإخفاقاته وهوانه على الناس ، والتي يمكن أن يلقي عليها أحدهم أي شيء من قاذوراته وهو آمن وضامن أن لا يغضب ذلك أحدا أو لا ينعكس ذلك بأي أثر سلبي على مصالح بلاده حول العالم .
ترامب شخصية عنصرية صريحة ، وكاره للإسلام والمسلمين ، وصرح بذلك مرات عديدة ، حتى وهو رئيس للولايات المتحدة ، وقد أعاد نشر ثلاثة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قبل أسبوعين ، فيهما تحريض صريح على الإسلام واحتقار علني له ، وهي التغريدات التي أثارت العالم كله ضده من فرط غشوميتها وظلاميتها وعنصريتها ، وشتمه أعضاء مجلس العموم البريطاني في اجتماع شهير وطالبوا بمنع استقباله في بريطانيا وتم إلغاء زيارته بالفعل ، فأن يأتي منه سلوك مثل هذا ، بنيته نقل السفارة إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة للكيان الغاصب ، فهو يتسق مع عقيدته المتطرفة وعنصريته الكارهة للإسلام ، كما أنها تتسق مع الورطة السياسية والقانونية التي تحيط بعنقه حاليا ، وتوشك على الإطاحة به ، بل وتقديمه للمحاكمة بعد الكشف عن تورط أركان حملته الانتخابية في التنسيق مع المخابرات الروسية للتلاعب بالانتخابات ، وخيوط التحقيق تقترب منه شخصيا الآن إلى حد كبير ، كما أن صهره الشاب الذي وسده ملف فلسطين والقدس هو بين يدي القضاء عمليا الآن ، وربما يصدر بشأنه قرار اعتقال جديد عما قريب ، لذلك تأتي خطوته تلك في سياق إثارة ضجيج دولي يخفف الضغط عليه ، ومحاولة كسب ود اللوبي اليهودي في أمريكا لدعمه في تلك المعركة الخطيرة ، ولم يجد هذا العنصري المتطرف سوى مقدسات العرب والمسلمين لكي يعتدي عليها .
بيانات الشجب والاستنكار مهمة ، وضرورية ، غير أنها ليست الخطوة الحاسمة في التصدي لهذا العدوان الجديد والخطير ، وإنما يستدعي الأمر مواقف سياسية واقتصادية وديبلوماسية ، تشعر ترامب وإدارته بأن قراره سيكون مخاطرة كبيرة على مصالح بلاده ، والمؤسف أن تلك الأحداث تأتي في الوقت الذي يعاني منه العرب من الانقسام والكراهية البينية ، مما يضعف الموقف كله ، وأتمنى أن تتوقف عمليات التراشق في هذا الملف والاصطياد فيه ، خاصة في دول الخليج ، ليس هذا مكان تصفية الحسابات أو التصيد أو التوظيف السياسي للأحداث ، نحن أمام موقف خطير وتاريخي ، يستدعي التسامي على مثل تلك الخلافات وتوحيد الكلمة والموقف ، على الأقل في هذا الموقف ولو على سبيل الاستثناء ، وبعده أكملوا رحلة تقطيع ما بينكم .
المرشد الإيراني علي خامنئي خطب اليوم خطبة عصماء في احتفال بلاده بمولد الإمام الصادق ، وتهرب فيها من التزام بلاده بأي موقف ردا على القرار الأمريكي الخطير ، واكتفي بدجل كلامي قال فيه أن هذه الخطوة تأتي بسبب عجز الأعداء وضعفهم ، وهذا الكلام السخيف محاولة لنفض يده من أي مسئولية أو موقف نصرا للقدس وفلسطين ، رغم أنهم خدعوا العالم الإسلامي طوال سبعة وثلاثين عاما بإنشائهم ما يسمى "فيلق القدس" وهو جيش جرار وبأحدث الأسلحة ، وزعموا أن هذا الجيش أعدوه لتحرير القدس ، قبل أن نكتشف أنهم أعدوا "فيلق القدس" كميلشيا طائفية مسلحة جيدا لاختراق العواصم العربية المختلفة ودعم حركات التمرد الطائفية والسيطرة على الأرض وليس من أجل القدس ولا فلسطين ، كما فعلوا في العراق وفي سوريا وفي لبنان وأخيرا في اليمن ، ومنذ تأسيسه قبل سبعة وثلاثين عاما لم يطلق فيلق القدس رصاصة واحدة باتجاه القدس أو باتجاه حدود العدو ، وكل رصاصه كان في صدور العرب والمسلمين في سوريا والعراق .
أمريكا ـ كامبراطورية عظمى ـ دخلت في طور الأفول منذ سنوات ، والمؤكد أن ترامب ساهم بقوة في إهانة سمعتها وإضعاف هيبتها ، والقرار الأمريكي لن يغير شيئا على الأرض ، ولن يرهب أي دولة "محترمة" في الغرب أو الشرق لكي تحذو حذوه ، لكن العالم ينتظر الآن موقف العرب والمسلمين وردة فعلهم على ذلك ، لتكون "مؤشرا" على ما يلي من خطوات وتوجهات .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف